[ ص: 85 ] سئل الشيخ الإمام العالم العلامة إمام الوقت فريد الدهر جوهر العلم لب الإيمان قطب الزمان مفتي الفرق شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام شهاب الدين عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة مؤيد السنة مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني - رضي الله عنه - ونفع به آمين .
وهل الأسماء التي يسمون بها بعضهم بعضا من اسم الفتوة ورءوس الأحزاب والزعماء فهل لهذا أصل أم لا ؟ ويسمون المجلس الذي يجتمعون فيه " دسكرة " ويقوم للقوم نقيب إلى الشخص الذي يلبسونه فينزعه اللباس الذي عليه بيده ويلبسه اللباس الذي يزعمون أنه لباس الفتوة بيده فهل هذا جائز . أم لا ؟
أما ما ذكر من إلباس لباس " الفتوة " السراويل أو غيره وإسقاء الملح والماء فهذا باطل لا أصل له ولم يفعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه . لا nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ولا غيره ولا من التابعين لهم بإحسان .
والإسناد الذي يذكرونه من طريق الخليفة الناصر إلى عبد الجبار إلى ثمامة فهو إسناد لا تقوم به حجة وفيه من لا يعرف ولا يجوز لمسلم أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الإسناد المجهول [ ص: 88 ] الرجال أمرا من الأمور التي لا تعرف عنه فكيف إذا نسب إليه ما يعلم أنه كذب وافتراء عليه فإن العالمين بسنته وأحواله متفقون على أن هذا من الكذب المختلق عليه وعلى nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنها وما ذكروه من نزول هذا اللباس في صندوق هو من أظهر الكذب باتفاق العارفين بسنته .
و " اللباس الذي يواري السوأة " هو كل ما ستر العورة من جميع أصناف اللباس المباح . أنزل الله تعالى هذه الآية لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة ويقولون : ثياب عصينا الله فيها لا نطوف فيها فأنزل الله تعالى هذه الآية وأنزل قوله : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } .
والكذب في هذا أظهر من الكذب فيما ذكر من لباس الخرقة وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تواجد حتى سقطت البردة عن ردائه وأنه فرق الخرق على أصحابه وأن جبريل أتاه وقال له : إن ربك يطلب نصيبه من زيق الفقر وأنه علق ذلك بالعرش . فهذا أيضا كذب باتفاق أهل المعرفة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع هو وأصحابه على سماع كف ولا سماع دفوف وشبابات ولا رقص ولا سقط عنه ثوب من ثيابه في ذلك ولا قسمه على أصحابه وكل ما يروى من ذلك فهو كذب مختلق باتفاق أهل المعرفة بسنته .
ما كان منها مما أمر الله به ورسوله كصدق الحديث وأداء الأمانة وأداء الفرائض واجتناب المحارم ونصر المظلوم . وصلة الأرحام والوفاء بالعهد .
أو كانت مستحبة : كالعفو عن الظالم واحتمال الأذى وبذل المعروف الذي يحبه الله ورسوله وأن يجتمعوا على السنة ويفارق أحدهما الآخر إذا كان على بدعة . ونحو ذلك . فهذه يؤمن بها كل مسلم سواء شرطها شيوخ الفتوة أو لم يشرطوها وما كان منها مما نهى الله عنه ورسوله : مثل التحالف الذي يكون بين أهل الجاهلية أن كلا منهما يصادق صديق الآخر في الحق والباطل ويعادي عدوه في الحق والباطل وينصره على كل من يعاديه سواء كان الحق معه أو كان مع خصمه فهذه شروط تحلل الحرام وتحرم الحلال وهي شروط ليست في كتاب الله .
وإن كان مما نهى الله عنه ورسوله فإنه ينهى عنه كما نهى الله عنه ورسوله وليس لبني آدم أن يتعاهدوا ولا يتعاقدوا ولا يتحالفوا ولا يتشارطوا على خلاف ما أمر الله به ورسوله ; بل على كل منهم أن يوفوا بالعقود والعهود التي عهدها الله إلى بني آدم كما قال الله تعالى : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } .
وكذلك ما يعقده المرء على نفسه كعقد النذر أو يعقده الاثنان : كعقد البيع والإجارة والهبة وغيرهما . أو ما يكون تارة من واحد وتارة من اثنين : كعقد الوقف والوصية ; فإنه في جميع هذه العقود متى اشترط العاقد شيئا مما نهى الله عنه ورسوله كان شرطه باطلا .
لكن لما كانت أخلاق الأحداث اللين صار كثير من الشيوخ يعبرون بلفظ " الفتوة " عن مكارم الأخلاق . كقول بعضهم : طريقنا تفتى وليس تنصر . وقول بعضهم . " الفتوة " أن تقرب من يقصيك وتكرم من يؤذيك وتحسن إلى من يسيء إليك . سماحة لا كظما ومودة لا مضارة . وقول بعضهم : " الفتوة " ترك ما تهوى لما تخشى .
وأمثال هذه الكلمات التي توصف فيها الفتوة بصفات محمودة محبوبة سواء سميت فتوة أو لم تسم وهي لم تستحق المدح في الكتاب والسنة إلا لدخولها فيما حمده الله ورسوله من الأسماء . كلفظ الإحسان والرحمة والعفو والصفح والحلم وكظم الغيظ والبر والصدقة والزكاة والخير . ونحو ذلك من الأسماء الحسنة التي تتضمن هذه المعاني فكل اسم علق الله به المدح والثواب في الكتاب والسنة كان أهله ممدوحين وكل اسم علق به الذم والعقاب في الكتاب والسنة كان أهله مذمومين كلفظ الكذب والخيانة [ ص: 92 ] والفجور والظلم والفاحشة ونحو ذلك .
وأما لفظ " الزعيم " فإنه مثل لفظ الكفيل والقبيل والضمين قال تعالى : { ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم } فمن تكفل بأمر طائفة فإنه يقال هو زعيم ; فإن كان قد تكفل بخير كان محمودا على ذلك وإن كان شرا كان مذموما على ذلك .
وأما " رأس الحزب " فإنه رأس الطائفة التي تتحزب أي تصير حزبا فإن كانوا مجتمعين على ما أمر الله به ورسوله من غير زيادة ولا نقصان فهم مؤمنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم .
وأما لفظ " الدسكرة " فليست من الألفاظ التي لها أصل في الشريعة فيتعلق بها حمد أو ذم ; ولكن هي في عرف الناس يعبر بها عن المجامع .
كما في حديث هرقل : أنه جمع الروم في دسكرة ; ويقال للمجتمعين على شرب الخمر : إنهم في دسكرة ; فلا يتعلق بهذا اللفظ حمد ولا ذم ; وهو إلى الذم أقرب ; لأن الغالب في عرف الناس أنهم يسمون بذلك الاجتماع على الفواحش والخمر والغناء .
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم ; لكنه من فروض الكفايات ; فإن قام بهما من يسقط به الفرض من ولاة الأمر ; أو غيرهم . والأوجب على غيرهم أن يقوم من ذلك بما يقدر عليه .
وهذه " مسألة كبيرة " مبسوطة في غير هذا الموضع ; فإن فضل بني آدم هو بأسباب يطول شرحها هنا . وإنما يظهر فضلهم إذا دخلوا دار القرار : { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار } . والآدمي خلق من نطفة ; ثم من مضغة ; ثم من علقة ثم انتقل من صغر إلى كبر ثم من دار إلى دار فلا يظهر فضله وهو في ابتداء أحواله ; وإنما يظهر فضله عند كمال أحواله ; بخلاف الملك الذي تشابه أول أمره وآخره . ومن هنا غلط من فضل الملائكة على الأنبياء حيث نظر إلى أحوال الأنبياء . وهم في أثناء الأحوال . قبل أن يصلوا إلى ما وعدوا به في الدار الآخرة من نهايات الكمال .
[ ص: 96 ] وقد ظهر فضل نبينا على الملائكة ليلة المعراج لما صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام ; وعلا على مقامات الملائكة ; والله تعالى أظهر من عظيم قدرته وعجيب حكمته من صالحي الآدميين من الأنبياء والأولياء ما لم يظهر مثله من الملائكة حيث جمع فيهم ما تفرق في المخلوقات . فخلق بدنه من الأرض وروحه من الملأ الأعلى ولهذا يقال : هو العالم الصغير وهو نسخة العالم الكبير .
ومحمد سيد ولد آدم . وأفضل الخلق وأكرمهم عليه ومن هنا قال من قال : إن الله خلق من أجله العالم أو إنه لولا هو لما خلق عرشا ولا كرسيا ولا سماء ولا أرضا ولا شمسا ولا قمرا . لكن ليس هذا حديثا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا صحيحا ولا ضعيفا ولم ينقله أحد من أهل العلم بالحديث . عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بل ولا يعرف عن الصحابة بل هو كلام لا يدرى قائله .
فإذا قيل : فعل كذا لكذا لم يقتض أن لا يكون فيه حكمة أخرى . وكذلك قول القائل : لولا كذا ما خلق كذا لا يقتضي أن لا يكون فيه حكم أخرى عظيمة بل يقتضي إذا كان أفضل صالحي بني آدم محمد وكانت خلقته غاية مطلوبة وحكمة بالغة مقصودة [ أعظم ] من غيره صار تمام الخلق ونهاية الكمال حصل بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم .
والله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وكان آخر الخلق يوم الجمعة وفيه خلق آدم وهو آخر ما خلق خلق يوم الجمعة بعد العصر في آخر يوم الجمعة . وسيد ولد آدم هو محمد - صلى الله تعالى عليه وسلم - آدم فمن دونه تحت لوائه - قال صلى الله تعالى عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=597054إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته } أي كتبت نبوتي وأظهرت لما خلق آدم قبل نفخ الروح فيه كما يكتب الله رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد إذا خلق الجنين قبل نفخ الروح فيه .
فإذا كان الإنسان هو خاتم المخلوقات وآخرها [ ص: 98 ] وهو الجامع لما فيها وفاضله هو فاضل المخلوقات مطلقا ومحمد إنسان هذا العين ; وقطب هذه الرحى وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات فما ينكر أن يقال : إنه لأجله خلقت جميعها وإنه لولاه لما خلقت فإذا فسر هذا الكلام ونحوه بما يدل عليه الكتاب والسنة قبل ذلك .
وأما " المؤاخاة " بين المهاجرين كما يقال : إنه آخى بين أبي بكر وعمر وإنه آخى عليا ونحو ذلك فهذا كله باطل وإن كان بعض الناس ذكر أنه فعل بمكة وبعضهم ذكر أنه فعل بالمدينة وذلك نقل ضعيف : إما منقطع وإما بإسناد ضعيف . والذي في الصحيح هو ما تقدم ومن تدبر الأحاديث الصحيحة والسيرة النبوية الثابتة تيقن أن ذلك كذب .
فهذه الحقوق واجبة بنفس الإيمان والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله .
وهذه ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة وإن كان المقصود منها إثبات حكم خاص كما كان بين المهاجرين والأنصار فهذه فيها للعلماء قولان بناء على أن ذلك منسوخ أم لا ؟
فمن قال : إنه منسوخ - كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه . قال : إن ذلك غير مشروع .
ومن قال : إنه لم ينسخ - كما قال : أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى - قال إنه مشروع .
وأما " الشروط " التي يلتزمها كثير من الناس في " السماع " وغيره مثل أن يقول : على المشاركة في الحسنات وأينا خلص يوم القيامة خلص صاحبه ونحو ذلك .
وكذلك يشترطون شروطا من الأمور الدنيوية ولا يوفون بها [ ص: 102 ] وما أعلم أحدا ممن دخل في هذه الشروط الزائدة على ما شرطه الله ورسوله وفى بها ; بل هو كلام يقولونه عند غلبة الحال ; لا حقيقة له في المآل وأسعد الناس من قام بما أوجبه الله ورسوله فضلا عن أن يوجب على نفسه زيادات على ذلك .
وهذه المسائل قد بسطت في غير هذا الموضع . والله أعلم .
أما " النسب " فقالوا : عدي بن مسافر بن إسماعيل بن موسى بن مروان بن أحمد بن مروان بن الحكم بن مروان الأموي . وهذا كذب قطعا فإنه يمتنع أن يكون بينه وبين مروان بن الحكم خمسة أنفس .
وأما " الخرقة " فقالوا : دخل على الشيخ العارف عقيل المنبجي وألبسه الخرقة بيده والشيخ عقيل لبس الخرقة من يد الشيخ مسلمة المردجي والشيخ مسلمة لبس الخرقة من يد الشيخ أبي سعيد الخراز .
[ ص: 104 ] قلت : هذا كذب واضح فإن مسلمة لم يدرك أبا سعيد بل بينهما أكثر من مائة سنة بل قريبا من مائتي سنة .
ثم قالوا : والشيخ أبو سعيد الخراز لبس الخرقة من يد الشيخ أبي محمد العنسي والعنسي لبسها من يد الشيخ علي بن عليل الرملي والشيخ علي بن عليل لبسها من يد والده الشيخ عليل الرملي والشيخ عليل لبس الخرقة من يد الشيخ عمار السعدي والشيخ عمار السعدي لبس الخرقة من يد الشيخ يوسف الغساني والشيخ يوسف الغساني لبس الخرقة من يد والده الشيخ يعقوب الغساني والشيخ يعقوب الغساني لبس الخرقة من يد أمير المؤمنين nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يوم خطب الناس بالجابية nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب لبس الخرقة من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم لبس الخرقة من يد جبرائيل وجبرائيل من الله تعالى .
وأما الإسناد المذكور ما بين أبي سعيد إلى عمر فمجهول وما أعرف لهؤلاء ذكرا لا في كتب الزهد والرقائق ولا في كتب الحديث والعلم ومن الممكن أن يكون بعض هؤلاء كانوا شيوخا وقد ركب هذا الإسناد عليهم من لم يعرف أزمانهم والله أعلم بحقيقة أمرهم .
[ ص: 105 ] ثم ذكروا بعد هذا " عقيدته " وقالوا : هذه عقيدة السنة من إملاء الشيخ عدي . و " العقيدة من ( كتاب التبصرة للشيخ أبي الفرج المقدسي . بألفاظه نقل المسطرة لكن حذفوا منها تسمية المخالفين وأقوالهم وذكروا ما ذكره من الأدلة وزادوا فيها من ذكر يزيد وغيره أشياء لم يقلها الشيخ أبو الفرج وفيها أحاديث موضوعة وقال في آخرها فهذا اعتقادنا وما نقلناه عن مشايخنا نقله جبرائيل عن الله ونقله النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل ونقله الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمي من سماه اللكائي في أول كتاب ( شرح أصول السنة كما ذكروا أن هذا أملاه الشيخ عدي من حفظه . وأمر بكتابته ورووا ذلك بالسماع من الشيخ حسن بن عدي بن أبي البركات بسماعه من والده عدي بن أبي البركات بن صخر بن مسافر وهو عدي .