[ ص: 434 ] فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=597183إن فيهم - يعني أهل الشام - الأبدال الأربعين رجلا كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا } ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على هذا الترتيب ; ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشايخ المقبولين عند الأمة قبولا عاما ; وإنما توجد على هذه الصورة عن بعض المتوسطين من المشايخ ; وقد قالها إما آثرا لها عن غيره أو ذاكرا .
وهذا الجنس ونحوه من علم الدين قد التبس عند أكثر المتأخرين حقه بباطله فصار فيه من الحق ما يوجب قبوله ومن الباطل ما يوجب رده وصار كثير من الناس على طرفي نقيض .
قوم كذبوا به كله لما وجدوا فيه من الباطل .
وقوم صدقوا به كله لما وجدوا فيه من الحق وإنما الصواب التصديق بالحق والتكذيب بالباطل وهذا تحقيق لما أخبر به النبي عليه السلام عن ركوب هذه الأمة سنن من قبلها حذو القذة بالقذة .
فإن أهل الكتابين لبسوا الحق بالباطل وهذا هو التبديل [ ص: 435 ] والتحريف الذي وقع في دينهم ; ولهذا يتغير الدين بالتبديل تارة وبالنسخ أخرى وهذا الدين لا ينسخ أبدا لكن يكون فيه من يدخل من التحريف والتبديل والكذب والكتمان ما يلبس به الحق بالباطل ولا بد أن يقيم الله فيه من تقوم به الحجة خلفا عن الرسل فينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين فيحق الله الحق ويبطل الباطل ولو كره المشركون .
فالكتب المنزلة من السماء والأثارة من العلم المأثورة عن خاتم الأنبياء يميز الله بها الحق من الباطل ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وبذلك يتبين أن هذه الأسماء على هذا العدد والترتيب والطبقات ليست حقا في كل زمان بل يجب القطع بأن هذا على عمومه وإطلاقه باطل ; فإن المؤمنين يقلون تارة ويكثرون أخرى ويقل فيهم السابقون المقربون تارة ويكثرون أخرى وينتقلون في الأمكنة وليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين لزوم مكان واحد في جميع الأزمنة وليس من شرط أولياء الله أهل الإيمان والتقوى ومن يدخل فيهم من السابقين المقربين تعيين العدد .
وقد بعث الله رسوله بالحق وآمن معه بمكة نفر قليل كانوا أقل من سبعة ثم أقل من أربعين ثم أقل من سبعين ثم أقل من [ ص: 436 ] ثلاثمائة فيعلم أنه لم يكن فيهم هذه الأعداد ومن الممتنع أن يكون ذلك في الكفار ثم هاجر هو وأصحابه إلى المدينة وكانت هي دار الهجرة والسنة والنصرة ومستقر النبوة وموضع خلافة النبوة وبها انعقدت بيعة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وإن كان قد خرج منها بعد أن بويع فيها ; ومن الممتنع أنه قد كان بمكة في زمنهم من يكون أفضل منهم .
ثم إن الإسلام انتشر في مشارق الأرض ومغاربها وكان في المؤمنين في كل وقت من أولياء الله المتقين ; بل من الصديقين السابقين المقربين عدد لا يحصي عدده إلا رب العالمين لا يحصرون بثلاثمائة ولا بثلاثة آلاف ولما انقرضت القرون الثلاثة الفاضلة كان في القرون الخالية من أولياء الله المتقين ; بل من السابقين المقربين من لا يعرف عدده وليسوا بمحصورين بعدد ولا محدودين بأمد وكل من جعل لهم عددا محصورا فهو من المبطلين عمدا أو خطأ فنسأله من كان القطب والثلاثة إلى سبعمائة في زمن آدم ونوح وإبراهيم وقبل محمد عليهم الصلاة والسلام في الفترة حين كان عامة الناس كفرة قال الله تعالى : { إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا } أي كان مؤمنا وحده وكان الناس كفارا جميعا .
وإن زعموا أنهم كانوا بعد رسولنا عليه السلام نسألهم في أي زمان كانوا ؟ ومن أول هؤلاء ؟ وبأية آية ؟ وبأي حديث مشهور في الكتب الستة ؟ وبأي إجماع متواتر من القرون الثلاثة ثبت وجود هؤلاء بهذه الأعداد حتى نعتقده ؟ لأن العقائد لا تعتقد إلا من هذه الأدلة الثلاثة ومن البرهان العقلي { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فإن لم يأتوا بهذه الأدلة الأربعة الشرعية فهم الكاذبون بلا ريب فلا نعتقد أكاذيبهم .
ويلزم منه أن يرزق الله سبحانه وتعالى الكفار وينصرهم على عدوهم بالذات بلا واسطة ويرزق المؤمنين وينصرهم بواسطة المخلوقات والتعظيم في عدم الواسطة كروح الله وناقة الله .
وقد علم المسلمون كلهم أنه لم يكن عامة المسلمين ولا مشايخهم المعروفون يرفعون إلى الله حوائجهم لا ظاهرا ولا باطنا بهذه الوسائط والحجاب فتعالى الله عن تشبيهه بالمخلوقين من الملوك وسائر ما يقوله الظالمون علوا كبيرا وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين لا يتم الإيمان إلا به ثم مع هذا يقولون إنه كان صبيا دخل السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة ولا يعرف له عين ولا أثر ولا يدرك له حس ولا خبر .
وهؤلاء الذين يدعون هذه المراتب فيهم مضاهاة للرافضة من بعض الوجوه ; بل هذا الترتيب والأعداد تشبه من بعض الوجوه ترتيب الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم في السابق والتالي والناطق والأساس والجسد وغير ذلك من الترتيب الذي ما نزل الله به من سلطان .
( وأما القطب فيوجد أيضا في كلامهم فلان من الأقطاب أو فلان قطب فكل من دار عليه أمر من أمور الدين أو الدنيا باطنا أو ظاهرا فهو قطب ذلك الأمر ومداره سواء كان الدائر عليه أمر داره أو دربه أو قريته أو مدينته أمر دينها أو دنياها باطنا أو ظاهرا ولا اختصاص لهذا المعنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر ; لكن الممدوح من ذلك من كان مدارا لصلاح الدنيا والدين دون مجرد صلاح الدنيا ; فهذا هو القطب في عرفهم فقد يتفق في بعض الأعصار أن يكون شخص أفضل أهل عصره وقد يتفق في عصر آخر أن يتكافأ اثنان أو ثلاثة في الفضل عند الله سواء ولا يجب أن يكون في كل زمان شخص واحد هو أفضل الخلق عند الله مطلقا .
[ ص: 441 ] وكذلك لفظ " البدل " جاء في كلام كثير منهم فأما الحديث المرفوع فالأشبه أنه ليس من كلام النبي عليه السلام فإن الإيمان كان بالحجاز وباليمن قبل فتوح الشام وكانت الشام والعراق دار كفر ثم لما كان في خلافة علي رضي الله عنه قد ثبت عنه عليه السلام أنه قال : " تمرق مارقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق فكان علي وأصحابه أولى بالحق ممن قاتلهم من أهل الشام ; ومعلوم أن الذين كانوا مع علي رضي الله عنه من الصحابة مثل nindex.php?page=showalam&ids=56عمار بن ياسر وسهل بن حنيف ونحوهما كانوا أفضل من الذين كانوا مع معاوية وإن كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام هذا باطل قطعا وإن كان قد ورد في الشام وأهله فضائل معروفة فقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا بأكثر ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض ; وبهذا التحرير يظهر المعنى في اسم " النجباء " .
فالغرض أن هذه الأسماء تارة تفسر بمعان باطلة بالكتاب والسنة وإجماع السلف مثل تفسير بعضهم " الغوث " هو الذي يغيث الله به أهل الأرض في رزقهم ونصرهم فإن هذا نظير ما تقوله النصارى في الباب وهو معدوم العين والأثر شبيه بحال المنتظر الذي دخل السرداب من نحو أربعمائة وأربعين سنة .
وقد يكون للرزق والنصر أسباب أخر ; فإن الفجار والكفار [ ص: 443 ] أيضا يرزقون وينصرون ; وقد يجدب الأرض على المؤمنين ويخيفهم من عدوهم لينيبوا إليه ويتوبوا من ذنوبهم فيجمع لهم بين غفران الذنوب وتفريج الكروب .
وليس في أولياء الله المتقين ; ولا عباد الله المخلصين الصالحين ولا أنبيائه المرسلين ; من كان غائب الجسد دائما عن أبصار الناس بل هذا من جنس قول القائلين إن عليا في السحاب وإن محمد بن الحنفية في جبال رضوى وإن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن بسرداب سامري وإن الحاكم بجبل مصر وإن الأبدال الأربعين رجال الغيب بجبل لبنان
فكل هذا ونحوه من قول أهل الإفك والبهتان ; نعم قد تخرق العادة في حق الشخص فيغيب تارة عن أبصار الناس إما لدفع عدو عنه وإما لغير ذلك وإما أنه يكون هكذا طول عمره فباطل نعم يكون نور قلبه وهدى فؤاده وما فيه من أسرار الله تعالى وأمانته وأنواره ومعرفته غيبا عن أعين الناس ويكون صلاحه وولايته غيبا عن [ ص: 444 ] أكثر الناس فهذا هو الواقع وأسرار الحق بينه وبين أوليائه وأكثر الناس لا يعلمون وقد بينا بطلان اسم الغوث مطلقا واندرج في ذلك غوث العجم ومكة والغوث السابع .
وكذا لفظ " خاتم الأولياء " لفظ باطل لا أصل له وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء : كابن حموية وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه إلى غير ذلك من الكفر والبهتان وكل ذلك طمعا في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء وقد غلطوا ; فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك وليس كذلك خاتم الأولياء فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر رضي الله عنه ثم عثمان رضي الله عنه ثم علي رضي الله عنه وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس وليس ذلك بخير الأولياء ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنها ثم عمر : اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما .