فأجاب - قدس الله روحه - وأما كشف الرءوس وتفتيل الشعر وحمل الحيات : فليس هذا من شعار أحد من الصالحين ; لا من الصحابة ولا التابعين ولا شيوخ المسلمين لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي ولا غيره وإنما ابتدع هذا بعد موت الشيخ أحمد بمدة طويلة ابتدعه طائفة انتسبت إليه فخالفوا طريق المسلمين وخرجوا عن حقائق الدين وفارقوا طريق عباد الله الصالحين وهم نوعان : أهل حال إبليسي .
وأهل محال تلبيسي .
فأما أهل " الأحوال " [ ص: 495 ] منهم : فهم قوم اقترنت بهم الشياطين كما يقترنون بإخوانهم ; فإذا حضروا سماع المكاء والتصدية أخذهم الحال فيزيدون ويرغون .
كما يفعله المصروع .
ويتكلمون بكلام لا يفهمونه هم ولا الحاضرون ; وهي شياطينهم تتكلم على ألسنتهم عند غيبة عقولهم كما يتكلم الجني على لسان المصروع ولهم مشابهون في الهند من عباد الأصنام ومشابهون بالمغرب يسمى أحدهم المصلي ; وهؤلاء الذين في المغرب من جنس الزط الذين لا خلاق لهم ; فإذا كان لبعض الناس مصروع أو نحوه أعطاهم شيئا فيجيئون ويضربون لهم بالدف والملاهي ويحرقون ويوقدون نارا عظيمة مؤججة ويضعون فيها الحديد العظيم حتى يبقى أعظم من الجمر وينصبون رماحا فيها أسنة ثم يصعد أحدهم يقعد فوق أسنة الرماح قدام الناس ويأخذ ذلك الحديد المحمي ويمره على يديه وأنواع ذلك .
ويرى الناس حجارة يرمى بها ولا يرون من رمى بها وذلك من شياطينهم الذين يصعدون بهم فوق الرمح وهم الذين يباشرون النار وأولئك قد لا يشعرون بذلك كالمصروع الذي يضرب ضربا وجيعا وهو لا يحس بذلك ; لأن الضرب يقع على الجني فكذا حال أهل الأحوال الشيطانية ولهذا كلما كان الرجل أشبه بالجن والشياطين كان حاله أقوى ولا يأتيهم الحال إلا عند مؤذن الشيطان وقرآنه فمؤذنه المزمار وقرآنه الغناء .
[ ص: 496 ] ولا يأتيهم الحال عند الصلاة والذكر والدعاء والقراءة فلا لهذه الأحوال فائدة في الدين ولا في الدنيا ولو كانت أحوالهم من جنس عباد الله الصالحين وأولياء الله المتقين لكانت تحصل عندما أمر الله به من العبادات الدينية ولكان فيها فائدة في الدين والدنيا لتكثير الطعام والشراب عند الفاقات واستنزال المطر عند الحاجات والنصر على الأعداء عند المخافات وهؤلاء أهل الأحوال الشيطانية في التلبيس يمحقون البركات ويقوون المخافات ويأكلون أموال الناس بالباطل لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ولا يجاهدون في سبيل الله بل هم مع من أعطاهم وأطعمهم وعظمهم وإن كان تتريا ; بل يرجحون التتر على المسلمين ويكونون من أعوانهم ونصرائهم الملاعين وفيهم من يستعين على الحال بأنواع من السحر والشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله .
وأما أهل " المحال " منهم : فهم يصنعون أدوية كحجر الطلق ودهن الضفادع وقشور النارنج ونحو ذلك .
يمشون بها على النار ويمسكون نوعا من الحيات يأخذونها بضعة ويقدمون على أكلها بفجور وما يصنعونه من السكر واللاذن وماء الورد وماء الزعفران والدم فكل ذلك حيل وشعوذة يعرفها الخبير بهذه الأمور .
ومنهم من تأتيه الشياطين وذلك هم أهل المحال الشيطاني .
[ ص: 497 ] فصل وأما ما ذكروا من غلوهم في الشيوخ : فيجب أن يعلم أن الشيوخ الصالحين الذين يقتدى بهم في الدين هم المتبعون لطريق الأنبياء والمرسلين كالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ومن له في الأمة لسان صدق - وطريقة هؤلاء دعوة الخلق إلى الله وإلى طاعته وطاعة رسوله واتباع كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
والمقصود أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا .
[ ص: 499 ] { وروي أن بعض الصحابة قال : يا رسول الله هل ربنا قريب فنناجيه ؟ أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية } فهو سبحانه سميع قريب مجيب رحيم وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها وهو يعلم من أحوال العباد ما لا يعلمه غيره ويقدر على قضاء حوائجهم التي لا يقدر عليها غيره ويرحمهم رحمة لا يرحمهم بها غيره .
فليس لأحد أن يدعو شيخا ميتا أو غائبا ; بل ولا يدعو ميتا ولا غائبا : لا من الأنبياء ولا غيرهم فلا يقول لأحدهم : يا سيدي فلان أنا في حسبك أو في جوارك ولا يقول : بك أستغيث وبك أستجير ولا يقول : إذا عثر : يا فلان ولا يقول : محمد وعلي ولا الست نفيسة [ ص: 500 ] ولا سيدي الشيخ أحمد ولا الشيخ عدي ولا الشيخ عبد القادر ولا غير ذلك ولا نحو ذلك مما فيه دعاء الميت والغائب ومسألته والاستغاثة به والاستنصار به بل ذلك من أفعال المشركين وعبادات الضالين .
ومن المعلوم أن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في صحيح البخاري { أن الناس لما أجدبوا استسقى عمر بالعباس .
وقال اللهم إنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا . وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا فيسقون } فكانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم كما يتوسل به الناس يوم القيامة ويستشفعون به إلى ربهم فيأذن الله له في الشفاعة فيشفع لهم .
{ وإذا كان يوم القيامة يجيء الناس إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فيطلبون الشفاعة منهم فلا يشفع لهم أحد من هؤلاء الذين هم سادة الخلق حتى يأتوا محمدا صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 501 ] فيأتي ربه فيحمده بمحامد ويسجد له فإذا أذن له في الشفاعة شفع لهم } .
فهذه حال هؤلاء الذين هم أفضل الخلق ; فكيف غيرهم ؟ فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يدعونه ولا يستغيثون به ولا يطلبون منه شيئا لا عند قبره ولا بعيدا من قبره ; بل ولا يصلون عند قبره ولا قبر غيره لكن يصلون ويسلمون عليه ويطيعون أمره ويتبعون شريعته ويقومون بما أحبه الله تعالى من حق نفسه وحق رسوله وحق عباده المؤمنين فإنه صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30388لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم .
وأما قول القائل : هذا السجود لله تعالى فإن كان كاذبا في ذلك فكفى بالكذب خزيا وإن كان صادقا في ذلك فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل فإن السجود لا يكون إلا على الوجه المشروع وهو السجود في الصلاة وسجود السهو وسجود التلاوة وسجود الشكر على أحد قولي العلماء .
وأما السجود عقيب الصلاة بلا سبب فقد كرهه العلماء وكذلك ما يفعله بعض المشايخ من سجدتين بعد الوتر لم يفعله أحد من السلف ولا استحبه أحد من الأئمة ولكن هؤلاء بلغهم حديث رواه أبو موسى الذي في ( الوظائف { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان [ ص: 503 ] يصلي سجدتين بعد الوتر } ففعلوا الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه { أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس ولم يداوم على ذلك } فسميت الركعتان سجدتين .
كما في أحاديث أخر .
فهذا هو أصل ذلك .
والكلام في هاتين الركعتين مذكور في غير هذا الموضع .
وأما السجدتان فلا أصل لهما ولا للسجود المجرد بلا سبب وقالوا هو بدعة فكيف بالسجود إلى جهة مخلوق من غير مراعاة شروط الصلاة وهذا يشابه من يسجد للشرق في الكنيسة مع النصارى ويقول : لله أو يسجد مع اليهود إلى الصخرة ويقول : لله ; بل سجود النصارى واليهود لله وإن كان إلى غير قبلة المسلمين خير من السجود لغير الله .
بل هذا بمنزلة من يسجد للشمس عند طلوعها وغروبها ويسجد لبعض الكواكب والأصنام ويقولون : لله .
فكلام صحيح فإن أراد بذلك أن الشرع لا يتبعه أو لا يجب عليه اتباعه وأنا خارج عن اتباعه فلفظ الشرع قد صار له في عرف الناس " ثلاث معان " الشرع المنزل والشرع المؤول والشرع المبدل .
[ ص: 507 ] فأما الشرع المنزل : فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعا له ومن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
وأما المؤول فهو ما اجتهد فيه العلماء من الأحكام فهذا من قلد فيه إماما من الأئمة ساغ ذلك له ولا يجب على الناس التزام قول إمام معين .
وأما الشرع المبدل فهو الأحاديث المكذوبة والتفاسير المقلوبة والبدع المضلة التي أدخلت في الشرع وليست منه والحكم بغير ما أنزل الله .
ومن خرج عن الشرع الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ظانا أنه متبع للحقيقة فإنه مضاه للمشركين المكذبين للرسل ولفظ " الحقيقة " يقال : على " حقيقة كونية " و " حقيقة بدعية " و " حقيقة شرعية " .
ف " الحقيقة الكونية " مضمونها الإيمان بالقضاء والقدر وأن الله خالق كل شيء وربه ومليكه .
وأما " الحقيقة البدعية " فهي سلوك طريق الله سبحانه وتعالى مما يقع في قلب العبد من الذوق والوجد والمحبة والهوى من غير اتباع الكتاب والسنة . كطريق النصارى فهم تارة يعبدون غير الله وتارة يعبدون بغير أمر الله . كالنصارى المشركين الذين اتخذوا أحبارهم [ ص: 509 ] ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وابتدعوا الرهبانية فأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وشرعوا من الدين ما لم يأذن به الله .
قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا .
والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة ولهذا كان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول في دعائه : " اللهم اجعل عملي كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لأحد فيه شيئا " .
وأما " الحقيقة الدينية " وهي تحقيق ما شرعه الله ورسوله مثل الإخلاص لله والتوكل على الله والخوف من الله والشكر لله والصبر لحكم الله والحب لله ورسوله والبغض في الله ورسوله ونحو ذلك مما يحبه الله ورسوله .
فهذا حقائق أهل الإيمان وطريق أهل العرفان .
[ ص: 510 ] فصل والأمر بالمعروف وهو الحق الذي بعث الله به رسوله .
والنهي عن المنكر وهو ما خالف ذلك من أنواع البدع والفجور بل هو من أعظم الواجبات وأفضل الطاعات ; بل هو طريق أئمة الدين ومشايخ الدين نقتدي بهم فيه .
فصل وأما لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشايخ المريدين : فهذه ليس لها أصل يدل عليها الدلالة المعتبرة من جهة الكتاب والسنة ولا كان المشايخ المتقدمون وأكثر المتأخرين يلبسونها المريدين .
وكانت قد ولدت بأرض الحبشة فلهذا خاطبها بذلك اللسان واستدلوا أيضا بحديث { البردة التي نسجتها امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم فسأله إياها بعض الصحابة فأعطاه إياها وقال : أردت أن تكون كفنا لي } .
وليس في هذين الحديثين دليل على الوجه الذي يفعلونه .
فإن إعطاء الرجل لغيره ما يلبسه كإعطائه إياه ما ينفعه وأخذ ثوب من النبي صلى الله عليه وسلم على وجه البركة كأخذ شعره على وجه البركة وليس هذا كلباس ثوب أو قلنسوة على وجه المتابعة والاقتداء ; ولكن [ يشبه ] من بعض الوجوه خلع الملوك [ التي ] يخلعونها على من يولونه كأنها شعار وعلامة على الولاية والكرامة ; ولهذا يسمونها تشريفا .
وهذا ونحوه غايته أن يجعل من جنس المباحات ; فإن اقترن به نية صالحة كان حسنا من هذه الجهة وأما جعل ذلك سنة وطريقا إلى الله سبحانه وتعالى فليس الأمر كذلك .
كما تلقى الصحابة ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاه عنهم التابعون ; وبذلك يحصل اتباع السابقين [ ص: 512 ] الأولين بإحسان فكما أن المرء له من يعلمه القرآن ونحوه فكذلك له من يعلمه الدين الباطن والظاهر .
ولا يتعين ذلك في شخص معين ; ولا يحتاج الإنسان في ذلك أن ينتسب إلى شيخ معين كل من أفاد غيره إفادة دينية هو شيخه فيها ; وكل ميت وصل إلى الإنسان من أقواله وأعماله وآثاره ما انتفع به في دينه فهو شيخه من هذه الجهة ; فسلف الأمة شيوخ الخلفاء قرنا بعد قرن ; وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك ; بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم ولا يخص أحدا بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه فيقدم من قدم الله تعالى ورسوله عليه ويفضل من فضله الله ورسوله قال الله تعالى : { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم } .
فهذه بدعة منكرة من جهة أنه جعل نفسه لغير الله ومن جهة أن قوله : شيخك في الدنيا والآخرة كلام لا حقيقة له فإنه إن أراد أنه يكون معه في الجنة فهذا إلى الله لا إليه وإن أراد أنه يشفع فيه فلا يشفع أحد لأحد إلا بإذن الله تعالى إن أذن له أن يشفع فيه وإلا لم يشفع ; وليس بقوله : أنت شيخي في الآخرة يكون شافعا له - هذا إن كان الشيخ ممن له شفاعة - فقد تقدم أن سيد المرسلين والخلق لا يشفع حتى يأذن الله له في الشفاعة بعد امتناع غيره منها .
وكم من مدع للمشيخة وفيه نقص من العلم والإيمان ما لا يعلمه إلا الله تعالى .
وأما إن كان لا يمكنه أن يعبد الله بما أمره إلا بذلك مثل أن يكون في مكان يضعف فيه الهدى والعلم والإيمان والدين يعلمونه ويؤدبونه لا يبذلون له ذلك إلا بانتساب إلى شيخهم أو يكون انتسابه إلى شيخ يزيد في دينه وعلمه فإنه يفعل الأصلح لدينه .
وهذا لا يكون في الغالب إلا لتفريطه وإلا فلو طلب الهدى على وجهه لوجده .
فأما الانتساب الذي يفرق بين المسلمين وفيه خروج عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة وسلوك طريق الابتداع ومفارقة السنة والاتباع فهذا مما ينهى عنه ويأثم فاعله ويخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
فهذا الحكم ليس هو لجميع المشايخ ولا مختص بالمشايخ بل كل من كان موافقا لله : يرضى ما يرضاه الله ويسخط ما يسخط الله كان الله يرضى لرضاه ويغضب لغضبه من المشايخ وغيرهم ومن لم يكن كذلك من المشايخ لم يكن من أهل هذه الصفة .
فهذا المؤمن الذي تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض أحبه الله لأنه فعل ما أحبه الله والجزاء من جنس العمل .
قال الله تعالى : { رضي الله عنهم ورضوا عنه } وفي الحقيقة فالعبد الذي يرضى الله لرضاه ويغضب لغضبه هو يرضى لرضا الله ويغضب لغضب الله وليكن هذان مثالان : فمن أحب ما أحب الله وأبغض ما أبغض الله ورضي ما رضي الله لما يرضي الله ويغضب لما يغضب ; لكن هذا لا يكون للبشر على سبيل الدوام بل لا بد لأكمل الخلق أن يغضب أحيانا غضب البشر ويرضى رضا البشر .
وأما من كان مبتدعا بدعة ظاهرة أو فاجرا فجورا ظاهرا .
فهذا إلى أن تنكر عليه بدعته وفجوره أحوج منه إلى أن يطاع فيما يأمر به ; لكن إن أمر هو أو غيره بما أمر الله به ورسوله وجبت طاعة الله ورسوله فإن طاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد في كل حال ; ولو كان الآمر بها كائنا من كان .
وقال أنس : فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام فرحهم بهذا الحديث فأنا أحب رسول الله وأبا بكر وعمر وأرجو أن أحشر [ ص: 518 ] معهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم .
وكذلك " { nindex.php?page=hadith&LINKID=8756أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله } " لكن هذا بحيث أن يحب المرء ما يحبه الله ومن يحب الله فيحب أنبياء الله كلهم ; لأن الله يحبهم ويحب كل من علم أنه مات على الإيمان والتقوى فإن هؤلاء أولياء الله والله يحبهم كالذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وغيرهم من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان .
فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة وأما من لم يشهد له بالجنة .
فقد قال طائفة من أهل العلم : لا نشهد له بالجنة ولا نشهد أن الله يحبه وقال طائفة : بل من استفشى من بين الناس إيمانه وتقواه واتفق المسلمون على الثناء عليه nindex.php?page=showalam&ids=16673كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد nindex.php?page=showalam&ids=14919والفضيل بن عياض nindex.php?page=showalam&ids=12032وأبي سليمان الداراني nindex.php?page=showalam&ids=17117ومعروف الكرخي وعبد الله بن المبارك - رضي الله عنهم - وغيرهم .
وإذا علم هذا فكثير من المشهورين بالمشيخة في هذه الأزمان قد يكون فيهم من الجهل والضلال والمعاصي والذنوب ما يمنع شهادة الناس لهم بذلك بل قد يكون فيهم المنافق والفاسق كما أن فيهم من هو من أولياء الله المتقين وعباد الله الصالحين وحزب الله المفلحين كما أن غير المشايخ فيهم هؤلاء وهؤلاء في الجنة والتجار والفلاحون وغيرهم من [ هذه ] الأصناف .
إذا كان كذلك فمن طلب أن يحشر مع شيخ لم يعلم عاقبته كان ضالا ; بل عليه أن يأخذ بما يعلم ; فيطلب أن يحشره الله مع نبيه والصالحين من عباده .
ومعلوم أن الشيوخ المخالفين للكتاب والسنة أهل الضلال والجهالة فمن كان معهم كان مصيره مصير أهل الضلال والجهالة وأما من كان من أولياء الله المتقين : كأبي بكر وعمر وعثمان [ ص: 520 ] وعلي وغيرهم ; فمحبة هؤلاء من أوثق عرى الإيمان ; وأعظم حسنات المتقين .
ولو أحب الرجل لما ظهر له من الخير الذي يحبه الله ورسوله أثابه الله على محبة ما يحبه الله ورسوله وإن لم يعلم حقيقة باطنه فإن الأصل هو حب الله وحب ما يحبه الله فمن أحب الله وأحب ما يحبه الله كان من أولياء الله .
وكثير من الناس يدعي المحبة من غير تحقيق قال الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } قال بعض السلف : ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله فأنزل الله هذه الآية فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيما فمن كان أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله .
وأما من أحب شخصا لهواه مثل أن يحبه لدنيا يصيبها منه أو لحاجة يقوم له بها أو لمال يتآكله به .
أو بعصبية فيه .
ونحو ذلك من الأشياء فهذه ليست محبة لله ; بل هذه محبة لهوى النفس وهذه المحبة هي التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان .
وما أكثر من يدعي حب مشايخ لله ولو كان يحبهم لله لأطاع الله الذي [ ص: 521 ] أحبهم لأجله فإن المحبوب لأجل غيره تكون محبته تابعة لمحبة ذلك الغير .
وكيف يحب شخصا لله من لا يكون محبا لله وكيف يكون محبا لله من يكون معرضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيل الله .
وما أكثر من يحب شيوخا أو ملوكا أو غيرهم فيتخذهم أندادا يحبهم كحب الله .
والفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله ظاهر فأهل الشرك يتخذون أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله وأهل الإيمان يحبون ذلك ; لأن أهل الإيمان أصل حبهم هو حب الله ومن أحب الله أحب من يحبه ومن أحبه الله فمحبوب المحبوب محبوب ومحبوب الله يحب الله فمن أحب الله فيحبه من أحب الله .
ومن حين بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ما يقبل من أحد بلغته الدعوة إلا الدين الذي بعثه به ; فإن دعوته عامة لجميع الخلائق قال الله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس } .
والعجب من ذي عقل سليم يستوصي من هو ميت يستغيث به ولا يستغيث بالحي الذي لا يموت ويقوى الوهم عنده أنه لولا استغاثته بالشيخ الميت لما قضيت حاجته .
فهذا حرام فعله .
ويقول أحدهم إذا كانت لك حاجة إلى ملك توسلت إليه بأعوانه فهكذا يتوسل إليه بالشيوخ .
وهذا كلام أهل الشرك والضلال فإن الملك لا يعلم حوائج رعيته ولا يقدر على قضائها وحده ولا يريد ذلك إلا لغرض يحصل له بسبب ذلك والله أعلم بكل شيء يعلم السر وأخفى وهو على كل شيء قدير .
فالأسباب منه وإليه وما من سبب من الأسباب إلا دائر موقوف على أسباب أخرى وله معارضات .
فالنار لا تحرق إلا إذا كان المحل قابلا فلا تحرق السمندل وإذا شاء الله منع أثرها كما فعل بإبراهيم عليه السلام .
[ ص: 528 ] وأما مشيئة الرب فلا تحتاج إلى غيره ولا مانع لها بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
وهو سبحانه أرحم من الوالدة بولدها : يحسن إليهم ويرحمهم ويكشف ضرهم مع غناه عنهم وافتقارهم إليه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } .
قال طائفة من السلف : كان قوم يدعون المسيح والعزير والملائكة فبين الله تعالى أن هؤلاء الملائكة والأنبياء عباده كما أن هؤلاء عباده وهؤلاء يتقربون إلى الله وهؤلاء يرجون رحمة الله وهؤلاء يخافون عذاب الله .
فالمشركون اتخذوا مع الله أندادا يحبونهم كحب الله ; واتخذوا شفعاء يشفعون لهم عند الله ففيهم محبة لهم وإشراك بهم وفيهم من جنس ما في النصارى من حب المسيح وإشراك به ; والمؤمنون أشد حبا لله : فلا يعبدون إلا الله وحده ولا يجعلون معه شيئا يحبونه كمحبته لا أنبيائه ولا غيرهم ; بل أحبوا ما أحبه بمحبتهم لله ; وأخلصوا دينهم لله وعلموا أن أحدا لا يشفع لهم إلا بإذن الله ; فأحبوا عبد الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لحب الله وعلموا أنه عبد الله المبلغ عن الله فأطاعوه فيما أمر وصدقوه فيما أخبر ولم يرجوا إلا الله ; ولم يخافوا إلا الله ولم يسألوا إلا الله وشفاعته لمن يشفع له هو بإذن الله فلا ينفع رجاؤنا للشفيع ولا مخافتنا له وإنما ينفع توحيدنا وإخلاصنا لله وتوكلنا عليه فهو الذي يأذن للشفيع فعلى المسلم أن يفرق بين محبة المؤمنين ودينهم ومحبة النصارى [ ص: 530 ] والمشركين ودينهم ويتبع أهل التوحيد والإيمان .