ويحضرها المردان والنسوان ويستند في ذلك إلى دعوى جواز حضور السماع عند الشافعي وغيره من الأئمة .
فأجاب : أما السماعات المشتملة على الغناء والصفارات والدفوف المصلصلات : فقد اتفق أئمة الدين أنها ليست من جنس القرب والطاعات بل ولو لم يكن على ذلك كالغناء والتصفيق باليد والضرب بالقضيب والرقص ونحو ذلك فهذا وإن كان فيه ما هو مباح وفيه ما هو مكروه وفيه ما هو محظور أو مباح للنساء دون الرجال .
فلا نزاع بين أئمة الدين أنه ليس من جنس القرب والطاعات والعبادات ولم يكن أحد من الصحابة والتابعين وأئمة الدين وغيرهم من مشايخ الدين [ ص: 532 ] يحضرون مثل هذا السماع لا بالحجاز ولا مصر ولا الشام ولا العراق ولا خراسان .
لا في زمن الصحابة والتابعين ولا تابعيهم .
لكن حدث بعد ذلك : فكان طائفة يجتمعون على ذلك ويسمون الضرب بالقضيب على جلاجل ونحوه " التغبير " قال الحسن بن عبد العزيز الحراني : سمعت الشافعي يقول : خلفت ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به الناس عن القرآن وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين فإن القلب إذا تعود سماع القصائد والأبيات والتذ بها حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33998ليس منا من لم يتغن بالقرآن } " وقد فسره الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيرهما بأنه من الصوت فيحسنه بصوته ويترنم به بدون التلحين المكروه وفسره ابن عيينة nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد وغيرهما بأنه الاستغناء به وهذا وإن كان له معنى صحيح فالأول هو الذي دل عليه الحديث فإنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=33998ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به } " وفي الأثر : " إن العبد إذا ركب الدابة أتاه الشيطان وقال له : تغن فإن لم يتغن .
قال له : تمن " فإن [ ص: 533 ] النفس لا بد لها من شيء في الغالب تترنم به .
فمن لم يترنم بالقرآن ترنم بالشعر .
وسماع القرآن هو سماع النبيين والمؤمنين والعارفين والعالمين .
وهذا " السماع " هو الذي شرعه الله للمؤمنين في الصلاة وخارج الصلاة وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم يقرأ والناس يستمعون .
فأكابر الشيوخ لم يحضروا هذا السماع nindex.php?page=showalam&ids=14919كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم nindex.php?page=showalam&ids=12032وأبي سليمان الداراني nindex.php?page=showalam&ids=17117ومعروف الكرخي والسري السقطي وأمثالهم من المتأخرين : كالشيخ عبد القادر والشيخ عدي بن مسافر والشيخ أبي مدين والشيخ أبي البيان وأمثال هؤلاء المشايخ : فإنهم لم يكونوا يحضرون هذا السماع وقد حضره طائفة من الشيوخ وأكابرهم ثم تابوا منه ورجعوا عنه .
وكان الجنيد - رحمه الله تعالى - لا يحضره في آخر عمره .
ويقول : من تكلف السماع فتن به ومن صادفه السماع استراح به أي من قصد السماع صار مفتونا وأما من سمع بيتا يناسب حاله بلا اقتصاد فهذا يستريح به .
والذين حضروا السماع المحدث الذي جعله الشافعي من إحداث الزنادقة لم يكونوا يجتمعون مع مردان ونسوان ولا مع مصلصلات وشبابات وكانت أشعارهم مزهدات مرققات .
[ ص: 535 ] فأما " السماع " المشتمل على منكرات الدين فمن عده من القربات استتيب فإن تاب وإلا قتل .
وإن كان متأولا جاهلا بين له خطأ تأويله وبين له العلم الذي يزيل الجهل .
هذا من كونه طريقا إلى الله .
وأما كونه محرما على من يفعله على وجه اللهو واللعب لا على وجه القربة إلى الله فهذا فيه تفصيل فأما المشتمل على الشبابات والدفوف المصلصلة فمذهب الأئمة الأربعة تحريمه .
وذكر أبو عمرو بن الصلاح أن هذا ليس فيه خلاف في مذهب الشافعي فإن الخلاف إنما حكي في اليراع المجرد مع أن العراقيين من أصحاب الشافعي لم يذكروا في ذلك نزاعا ولا متقدمة الخراسانيين وإنما ذكره متأخرو الخراسانيين .
وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الذين يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف على وجه الذم لهم وأن الله معاقبهم .
والمعازف هي آلات اللهو عند أهل اللغة وهذا اسم يتناول هذه الآلات كلها .
ولهذا قال الفقهاء : أن من أتلفها فلا ضمان عليه إذا أزال التالف [ ص: 536 ] المحرم وإن أتلف المالية ففيه نزاع ومذهب أحمد المشهور عنه .
ومالك أنه لا ضمان في هذه الصور أيضا وكذلك إذا أتلف دنان الخمر وشق ظروفه وأتلف الأصنام المتخذة من الذهب كما أتلف موسى عليه السلام العجل المصنوع من الذهب وأمثال ذلك .