فإنه قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن لا يعبد بترك الجمعة والجماعة بل يعبد بفعل الجمعة والجماعة ومن جعل الانقطاع عن ذلك دينا لم يكن على دين المسلمين بل يكون من جنس الرهبان الذين يتخلون بالصوامع والديارات والواحد من هؤلاء قد يحصل له بسبب الرياضة أو الشياطين - بتقريبه إليهم أو غير ذلك - نوع كشف وذلك لا يفيده ; بل هو كافر بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .
والله تعالى أمر الخلق أن يعبدوه وحده لا يشركون به شيئا [ ص: 613 ] ويعبدوه بما شرع وأمر أن لا يعبدوه بغير ذلك .
وإن كان خالصا في نيته لكنه يتعبد بغير العبادات المشروعة : مثل الذي يصمت دائما أو يقوم في الشمس أو على السطح دائما أو يتعرى من الثياب دائما ويلازم لبس الصوف أو لبس الليف ونحوه أو يغطي وجهه أو يمتنع من أكل الخبز أو اللحم أو شرب الماء ونحو ذلك - كانت هذه العبادات باطلة ومردودة كما ثبت في الصحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=35339من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد } " .
فإذا كان هذا فيما هو جنسه عبادة ; فإن الصوم والصلاة جنسهما عبادة وترك اللحم والتزويج جائز لكن لما خرج في ذلك من السنة فالتزم القدر الزائد على المشروع والتزم هذا ترك المباح كما يفعل الرهبان تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن فعل ذلك حيث رغب عن سنته إلى خلافها وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=3694لا رهبانية في الإسلام } " فكيف بمن يرغب عما هو من أعظم شعائر الإسلام وهو الصلاة في الجمعة والجماعات .
و " أحد الأقوال " أنها سنة مؤكدة ولا نزاع بين العلماء أن صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسا وعشرين ضعفا [ ص: 616 ] كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وهذه البدع يذم أصحابها ويعرف أن الله لا يتقبلها وإن كان قصدهم بها العبادة كما أنه لا يقبل عبادة الرهبان ونحوهم ممن يجتهدون في الزهد والعبادة لأنهم لم يعبدوه بما شرع ; بل ببدعة ابتدعوها كما قال : { ورهبانية ابتدعوها } فإن المتعبد بهذه البدع قصده أن يعظم ويزار وهذا عمله ليس خالصا لله ولا صوابا على السنة ; بل هو كما يقال : زغل وناقص بمنزلة لحم خنزير ميت ; حرام من وجهين .
والواجب على كل مسلم التزام عبادة الله وحده لا شريك له وطاعة رسوله والأمر بذلك لكل أحد والنهي عن ضد ذلك لكل أحد والإنكار على من يخرج عن ذلك ولو طار في الهواء ومشى على الماء وليس تحت أديم السماء أحد يقر على خلاف ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم بل إن كان مقرا بالإسلام ألزمه بطاعة الرسول واتباع سنته الواجبة وشريعته الهادية وإن كان غير مقر بالإسلام كان كافرا ولو كان له من الزهد والرهبان ماذا عسى أن يكون .
[ ص: 617 ] والكافر إن كان من أهل الذمة فله حكم أمثاله وإن كان من أهل الحرب فله حكم أمثاله ويجب الإنكار على هذا المبتدع وأمثاله بحسن قصد بحيث يكون المقصود طاعة الله ورسوله ; لا اتباع هوى ولا منافسة ولا غير ذلك .
وأن يعلم المسلمون كلهم أن ما عليه المبتدعون المراءون ليس من الدين ولا من فعل عباد الله الصالحين ; بل من فعل أهل الجهل والضلال والإشراك بالله تعالى الذين يخرجون عن توحيده وإخلاص الدين له وعن طاعة رسله .
و " أصل الإسلام " : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .
فمن طلب بعباداته الرياء والسمعة فلم يحقق شهادة أن لا إله إلا الله [ ص: 618 ] ومن خرج عما أمره به الرسول من الشريعة وتعبد بالبدعة فلم يحقق شهادة أن محمدا رسول الله .
فالعبادات والزهادات والمقالات والتورعات الخارجة عن سبيل الله - وهو الصراط المستقيم : الذي أمرنا الله أن نسأله هدايته وهو ما دل عليه السنة - هي سبل الشيطان ولو كان لأحدهم من الخوارق ما كان فليس أحدهم بأعظم من مقدمهم الدجال الذي يقول للسماء : أمطري فتمطر وللأرض أنبتي فتنبت وللخربة أظهري كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة .
فبين سبحانه أنه ما تقرب العبد إلى الله بمثل أداء ما افترض عليه .
والتقرب بالواجبات فقط طريق المقتصدين أصحاب اليمين ثم التقرب بعد ذلك بما أحبه الله من النوافل هو طريق السابقين المقربين والمحبوبات هي ما أمر الله به ورسوله : أمر إيجاب أو أمر استحباب دون ما استحبه الرجل برأيه وهواه والله سبحانه وتعالى أعلم .