وقد قال الله تعالى في كتابه مخاطبا للشيطان : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك } وقد فسر ذلك طائفة من [ ص: 642 ] السلف بصوت الغناء وهو شامل له ولغيره من الأصوات المستفزة لأصحابها عن سبيل الله .
وهذه الأمور لها أسرار وحقائق لا يشهدها ; إلا أهل البصائر الإيمانية والمشاهد الإيقانية ; ولكن من اتبع ما جاءت به الشريعة وأعرض عن سبيل المبتدعة فقد حصل له الهدى وخير الدنيا والآخرة .
وإن لم يعرف حقائق الأمور بمنزلة من سلك السبيل إلى مكة خلف الدليل الهادي فإنه يصل إلى مقصوده ويجد الزاد والماء في موطنه وإن لم يعرف كيف يحصل ذلك وسببه .
ومن سلك خلف غير الدليل [ ص: 643 ] الهادي : كان ضالا عن الطريق .
فإما أن يهلك وإما أن يشقى مدة ثم يعود إلى الطريق .
و " الدليل الهادي " هو الرسول الذي بعثه الله إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وهاديا إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض .
وآثار الشيطان تظهر في أهل السماع الجاهلي : مثل الإزباد والإرغاء والصراخات المنكرة ونحو ذلك مما يضارع أهل الصرع الذين يصرعهم الشيطان ولذلك يجدون في نفوسهم من ثوران مراد الشيطان بحسب الصوت : إما وجد في الهوى المذموم وإما غضب وعدوان على من هو مظلوم وإما لطم وشق ثياب وصياح كصياح المحزون المحروم إلى غير ذلك من الآثار الشيطانية التي تعتري أهل الاجتماع على شرب الخمر إذا سكروا بها ; فإن السكر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السكر بالأشربة المطربة فيصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن وفهم معانيه واتباعه فيصيرون مضارعين للذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله .
ويوقع بينهم العداوة والبغضاء حتى يقتل بعضهم بعضا بأحواله الفاسدة الشيطانية .
كما يقتل العائن من أصابه بعينه .
ولهذا قال من قال من العلماء : إن هؤلاء يجب عليهم القود والدية [ ص: 644 ] والقصاص إذا عرف أنهم قتلوا بالأحوال الشيطانية الفاسدة ; لأنهم ظالمون وهم إنما يغتبطون بما ينفذونه من مراداتهم المحرمة .
وقد يكون لهم مع ذلك أحوال باطنة كما يكون لهم ملكة ظاهرة فإن سلطان الباطن معناه السلطان الظاهر ولا يكون من أولياء الله إلا من كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون .
وما فعلوه من الإعانة على الظلم فهم يستحقون العقاب عليه بقدر الذنب وباب القدرة والتمكن باطنا وظاهرا ليس مستلزما لولاية الله تعالى بل قد يكون ولي الله متمكنا ذا سلطان وقد يكون مستضعفا إلى أن ينصره الله وقد يكون مسلطا إلى أن ينتقم الله منه فخفراء التتار في الباطن من جنس التتار في الظاهر .
هؤلاء في العباد بمنزلة هؤلاء في الأجناد .
[ ص: 645 ] وأما الغلبة فإن الله تعالى قد يديل الكافرين على المؤمنين تارة كما يديل المؤمنين على الكافرين .
وإذا كان في المسلمين ضعف وكان عدوهم مستظهرا عليهم كان ذلك بسبب ذنوبهم وخطاياهم ; إما لتفريطهم في أداء الواجبات باطنا وظاهرا وإما لعدوانهم بتعدي الحدود باطنا وظاهرا .