فإن لفظ " الغير " يراد به ما يجوز مباينته للآخر ومفارقته له وعلى هذا فلا يجوز أن يقال علم الله غيره ولا يقال إن الواحد [ ص: 561 ] من العشرة غيرها وأمثال ذلك وقد يراد بلفظ " الغير " ما ليس هو الآخر وعلى هذا فتكون الصفة غير الموصوف لكن على هذا المعنى لا يكون ما هو غير ذات الله الموصوفة بصفاته مخلوقا ; لأن صفاته ليست هي الذات ; لكن قائمة بالذات والله سبحانه وتعالى هو الذات المقدسة الموصوفة بصفات كماله وليس الاسم اسما لذات لا صفات لها ; بل يمتنع وجود ذات لا صفات لها .
والصواب في مثل هذا أن يقال : الكلام صفة المتكلم والقول صفة القائل وكلام الله ليس باينا منه ; بل أسمعه لجبريل ونزل به على محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى : { والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق } ولا يجوز أن يقال : إن كلام الله فارق ذاته وانتقل إلى غيره . بل يقال كما قال السلف : إنه كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود . فقولهم : " منه بدأ " رد على من قال : إنه مخلوق في بعض الأجسام ومن ذلك المخلوق ابتدأ . فبينوا أن الله هو المتكلم به " منه بدأ " لا من بعض المخلوقات " وإليه يعود " أي فلا يبقى في الصدور منه آية ولا في المصاحف حرف وأما القرآن فهو كلام الله .
وإن أراد ب " القرآن " مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا وقال : أردت أن القراءة غير المقروء ; فلفظ القراءة مجمل قد يراد بالقراءة القرآن وقد يراد بالقراءة المصدر فمن جعل " القراءة " التي هي المصدر غير المقروء كما يجعل التكلم الذي هو فعله غير الكلام الذي هو يقوله وأراد بالغير أنه ليس هو إياه فقد صدق فإن الكلام الذي يتكلم به الإنسان يتضمن فعلا كالحركة ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني ; ولهذا يجعل القول قسيما للفعل تارة وقسما منه أخرى .
وقد تنوزع فيمن حلف لا يعمل عملا إذا قال قولا كالقراءة ونحوها هل يحنث ؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره بناء على هذا . فهذه الألفاظ التي فيها إجمال واشتباه إذا فصلت معانيها . وإلا وقع فيها نزاع واضطراب . والله سبحانه وتعالى أعلم .