فأجاب : الحمد لله رب العالمين . المصاحف التي كتبها الصحابة لم يشكلوا حروفا ولم ينقطوها ; فإنهم كانوا عربا لا يلحنون ثم بعد ذلك في أواخر عصر الصحابة لما نشأ اللحن صاروا ينقطون المصاحف ويشكلونها وذلك جائز عند أكثر العلماء وهو إحدى الروايتين عن أحمد وكرهه بعضهم والصحيح أنه لا يكره ; لأن الحاجة داعية إلى ذلك ولا نزاع بين العلماء أن [ حكم ] الشكل والنقط حكم الحروف المكتوبة فإن النقط تميز بين الحروف والشكل يبين الإعراب لأنه كلام من تمام الكلام . ويروى عن أبي بكر وعمر أنهما قالا : " إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه " فإذا قرأ القارئ { الحمد لله رب العالمين } كانت الضمة والفتحة والكسرة من تمام لفظ القرآن .
[ ص: 578 ] والنبي صلى الله عليه وسلم بلغه إلى الأمة والمسلمون يسمعه بعضهم من بعض وليس ذلك كسماع موسى كلام الله فإنه سمعه بلا واسطة والذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم هو كلام الله لا كلام غيره وهم يقرءونه بأصواتهم ويكتبونه بمدادهم في ورقهم . وأفعالهم وأصواتهم ومدادهم مخلوق .
والقرآن الذي يقرءونه ويكتبونه هو كلام الله تعالى غير مخلوق سواء قرءوه قراءة يثابون عليها أو لا يثابون عليها وسواء كتبوه مشكولا منقوطا أو كتبوه غير مشكول ولا منقوط ; فإن ذلك لا يخرجه عن أن يكون المكتوب هو القرآن وهو كلام الله الذي أنزله على محمد وما بين اللوحين كلام الله سواء كان مشكولا منقوطا أو كان غير مشكول ولا منقوط وكلام الله منزل غير مخلوق وأصوات العباد والمداد مخلوقان . والقرآن العربي كلام الله تكلم به ليس بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله وليس لجبريل ولا لمحمد منه إلا التبليغ لم يحدث واحد منهما شيئا من حروفه ; بل الجميع كلام الله تبارك وتعالى .
وهذه " المسائل " مبسوطة في غير هذا الجواب . ولكن هذا قدر ما وسعته هذه الورقة . والله أعلم .