صفحة جزء
وهؤلاء إذا أظهر أحدهم شيئا خارقا للعادة لم يخرج عن أن يكون حالا شيطانيا أو حالا بهتانيا فخواصهم تقترن بهم الشياطين كما يقع لبعض العقلاء منهم وقد يحصل ذلك لغير هؤلاء لكن لا تقترن بهم الشياطين إلا مع نوع من البدعة إما كفر وإما فسق وإما جهل بالشرع . فإن الشيطان قصده إغواء بحسب قدرته فإن قدر على أن يجعلهم كفارا جعلهم كفارا وإن لم يقدر إلا على جعلهم فساقا أو عصاة وإن لم يقدر إلا على نقص عملهم ودينهم ببدعة يرتكبونها يخالفون بها الشريعة التي بعث الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فينتفع منهم بذلك .

[ ص: 83 ] ولهذا قال الأئمة : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي ولهذا يوجد كثير من الناس يطير في الهواء وتكون الشياطين هي التي تحمله لا يكون من كرامات أولياء الله المتقين . ومن هؤلاء : من يحمله الشيطان إلى عرفات فيقف مع الناس ثم يحمله فيرده إلى مدينته تلك الليلة ويظن هذا الجاهل أن هذا من أولياء الله ولا يعرف أنه يجب عليه أن يتوب من هذا وإن اعتقد أن هذا طاعة وقربة إليه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأن الحج الذي أمر الله به ورسوله لا بد فيه من الإحرام والوقوف بعرفة ولا بد فيه من أن يطوف بعد ذلك طواف الإفاضة فإنه ركن لا يتم الحج إلا به بل عليه أن يقف بمزدلفة ويرمي الجمار ويطوف للوداع وعليه اجتناب المحظورات والإحرام من الميقات . إلى غير ذلك من واجبات الحج .

وهؤلاء الضالون الذين يضلهم الشيطان يحملهم في الهواء يحمل أحدهم بثيابه فيقف بعرفة ويرجع من تلك الليلة . حتى يرى في اليوم الواحد ببلده ويرى بعرفة . ومنهم من يتصور الشيطان بصورته ويقف بعرفة فيراه من يعرفه واقفا فيظن أنه ذلك الرجل وقف بعرفة . فإذا قال له ذلك الشيخ أنا لم أذهب العام إلى عرفة ظن أنه ملك خلق على صورة ذلك الشيخ وإنما هو شيطان تمثل على صورته ومثل هذا وأمثاله يقع كثيرا وهي أحوال شيطانية قال تعالى : { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين } . وذكر الرحمن هو الذكر الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقال تعالى : { فإما يأتينكم مني هدى } - إلى قوله - { كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } ونسيانها هو ترك الإيمان والعمل بها وإن حفظ حروفها قال ابن عباس : " تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة " وقرأ هذه الآية . فمن اتبع ما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة هداه الله وأسعده ومن أعرض عن ذلك ضل وشقي وأضله الشيطان وأشقاه .

فالأحوال الرحمانية وكرامات أوليائه المتقين يكون سببه الإيمان فإن هذه حال أوليائه . قال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } { الذين آمنوا وكانوا يتقون } وتكون نعمة لله على عبده المؤمن في دينه ودنياه فتكون الحجة في الدين والحاجة في الدنيا للمؤمنين مثلما كانت معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كانت الحجة في الدين والحاجة للمسلمين مثل البركة التي تحصل في الطعام والشراب كنبع الماء من بين أصابعه ومثل نزول المطر بالاستسقاء ومثل قهر الكفار وشفاء المريض بالدعاء ومثل الأخبار الصادقة والنافعة بما غاب عن الحاضرين وأخبار الأنبياء لا تكذب قط .

وأما أصحاب الأحوال الشيطانية فهم من جنس الكهان يكذبون تارة ويصدقون أخرى ولا بد في أعمالهم من مخالفة للأمر . قال تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } { تنزل على كل أفاك أثيم } الآيتين . ولهذا يوجد الواحد من هؤلاء ملابسا الخبائث من النجاسات والأقذار [ ص: 85 ] التي تحبها الشياطين ومرتكبا للفواحش أو ظالما للناس في أنفسهم وأموالهم وغير ذلك . والله تعالى قد حرم : { الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله } الآية . وأولياء الله هم الذين يتبعون رضاه بفعل المأمور وترك المحظور والصبر على المقدور وهذه جملة لها بسط طويل لا يتسع له هذا المكان . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية