عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد وتعلق كل منهم بسبب . ومنهم من قال : إن يونس القتات يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب وأليم العقاب .
ومنهم من يزعم أن عليا الحريري كان قد أعطي من الحال ما إنه إذا خلا بالنساء والمردان يصير فرجه فرج امرأة .
ومنهم من يدعي النبوة ويدعي أنه لا بد له من الظهور في وقت فيعلو دينه وشريعته ; وأن من شريعته السوداء تحريم النساء وتحليل الفاحشة اللوطية وتحريم شيء من الأطعمة وغيرها ; كالتين واللوز والليمون . وتبعه طائفة : منهم من كان يصلي فترك الصلاة ويجتمع به نفر مخصوصون في كثير من الأيام إلخ .
فأجاب :
أما قول القائل إن يونس القتاتي يخلص أتباعه ومريديه من سوء الحساب وأليم العذاب يوم القيامة .
فهذا خير الخلق وأكرمهم على الله إذا رأى ربه لا يشفع حتى يسجد له ويحمده ثم يأذن له في الشفاعة ; فيحد له حدا يدخلهم الجنة . وهذا تصديق قوله تعالى { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } ؟ إلى غير ذلك من الآيات .
[ ص: 107 ] وأما من كان فيهم من عامتهم - لا يعرف أسرارهم وحقائقهم - فهذا يكون معه إسلام عامة المسلمين الذي استفاده من سائر المسلمين لا منهم ; فإن خواصهم مثل الشيخ سلول وجهلان والصهباني وغيرهم : فهؤلاء لم يكونوا يوجبون الصلاة ; بل ولا يشهدون للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة .
وفي أشعارهم - كشعر الكوجلي وغيره - من سب النبي صلى الله عليه وسلم وسب القرآن والإسلام : ما لا يرضى به لا اليهود ولا النصارى . ثم منهم من يقول هذا الشعر ليونس . ومنهم من يقول : هو مكذوب على يونس لكن من المعلوم المشاهد أنهم ينشدون الكفر ويتواجدون عليه ويبول أحدهم في الطعام ويقول يشرح كبدي يونس أو ماء ورد يونس ويستحلون الطعام الذي فيه البول ويرون ذلك بركة .
وأما كفرياتهم : مثل قولهم وأنا حميت الحمى وأنا سكنت فيه وأنا تركت الخلائق في مجاري التيه موسى على الطور لما خر لي ناجا وصاحب أقرب أنا جنبوه حتى جا يوم القيامة يرى الخلائق أفواجا إلى [ نبيه ] عيسى يقضي لهم حاجا .
ويقولون : تعالوا نخرب الجامع ونجعل منه جماره ونكسر خشب المنبر ونعمل منه زناره ونحرق ورقا ونعمل منه طنباره ننتف لحية القاضي ونعمل منه أوتاره . أنا حملت على العرش حتى صج وأنا صرخت في محمد حتى هج وأن البحار السبعة من هيبتي ترتج .
[ ص: 108 ] وأمور أخر أعظم من هذا وأعظم من أن تذكر ; لما فيها من الكفر الذي هو أعظم من قول الذين قالوا : إن لله ولدا .
وإذا قيل : هذا قاله مشاهدة للحقيقة القدرية الكونية . أن الله خالق أفعال العباد كان العذر أقبح من الذنب فإنه لو كان القدر حجة : لم يكن على إبليس وفرعون وسائر الكفار ملام لا في الدنيا ولا في الآخرة وهذا المحتج بالقدر لو تعدى عليه أحد لقاتله وغضب عليه . فإن كان القدر حجة : فهو حجة يفعل به ما يريد وإن لم يكن حجة لم يؤذ آدميا فكيف يكون حجة لمن يكفر بالله ورسوله ؟ .
وآدم عليه السلام إنما حج موسى لأن موسى لامه لما أصابه من المصيبة لم يلمه لحق الله تعالى في الذنب فإن آدم تاب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له بل قال له : بماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة ؟ قال : تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق بأربعين سنة فحج آدم موسى .
[ ص: 109 ] وكذا يؤمر كل من أصابه مصيبة من جهة أبيه وغيره أن يسلم لقدر الله كما قال تعالى : { ومن يؤمن بالله يهد قلبه } . قال علقمة : هو الرجل تصيبه المصيبة ; فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم . وأما الذنوب : فعلى العبد أن لا يفعلها ; فإن فعلها فعليه أن يتوب منها فمن تاب وندم أشبه أباه آدم ومن أصر واحتج أشبه عدوه إبليس . قال الله تعالى : { فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك } فالمؤمن مأمور أن يصبر على المصائب ويستغفر من الذنوب والمعائب .