فصل والمقصود : أن
ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ليس سببا لشيء من المصائب .
ولا تكون طاعة الله ورسوله قط سببا لمصيبة ، بل طاعة الله والرسول لا تقتضي إلا جزاء أصحابها بخيري الدنيا والآخرة . ولكن
قد تصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم . لا بما أطاعوا فيه الله والرسول ، كما لحقهم يوم
أحد بسبب ذنوبهم . لا بسبب طاعتهم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وكذلك ما ابتلوا به في السراء والضراء والزلزال : ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم ، لكن امتحنوا به ، ليتخلصوا مما فيهم من الشر
[ ص: 255 ] وفتنوا به كما يفتن الذهب بالنار ، ليتميز طيبه من خبيثه .
والنفوس فيها شر . والامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذي في نفسه . قال تعالى {
وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين } {
وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } وقال تعالى {
وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم } ولهذا قال
صالح عليه السلام لقومه {
طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون } . ولهذا كانت المصائب تكفر سيئات المؤمنين ، وبالصبر عليها ترتفع درجاتهم وما أصابهم في الجهاد من مصائب بأيدي العدو ، فإنه يعظم أجرهم بالصبر عليها .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=26150ما من غازية يغزون في سبيل الله ، فيسلمون ويغنمون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم . وإن أصيبوا وأخفقوا : تم لهم أجرهم }
. وأما ما يلحقهم من الجوع والعطش والتعب : فذاك يكتب لهم به عمل صالح . كما قال تعالى {
ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين } . وشواهد هذا كثيرة .