[ ص: 256 ] فصل والمقصود : أن قوله {
وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله } فإنهم جعلوا ما يصيبهم من المصائب بسبب ما جاءهم به الرسول . وكانوا
يقولون : النعمة التي تصيبنا هي من عند الله . والمصيبة من عند محمد . أي بسبب دينه وما أمر به .
فقال تعالى : قل هذا وهذا من عند الله . لا من عند
محمد .
محمد لا يأتي لا بنعمة ولا بمصيبة ولهذا قال بعد هذا {
فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا } قال :
السدي وغيره : هو القرآن . فإن القرآن إذا هم فقهوا ما فيه : تبين لهم أنه إنما أمرهم بالخير ، والعدل ، والصدق ، والتوحيد . لم يأمرهم بما يكون سببا للمصائب . فإنهم إذا فهموا ما في القرآن علموا : أنه لا يكون سببا للشر مطلقا . وهذا مما يبين أن
ما أمر الله به : يعلم بالأمر به حسنه ونفعه ، وأنه مصلحة للعباد .
وليس كما يقول من يقول : قد يأمر الله العباد بما لا مصلحة لهم فيه إذا فعلوه . بل فيه مضرة لهم .
[ ص: 257 ] فإنه لو كان كذلك لكان قد يصدقه المتطيرون بالرسل وأتباعهم . ومما يوضح ذلك : أنه لما قال {
ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك } قال بعدها {
وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا } فإنه قد شهد له بالرسالة بما أظهره على يديه من الآيات والمعجزات .
وإذا شهد الله له كفى به شهيدا . ولم يضره جحد هؤلاء لرسالته بما ذكروه من الشبه التي هي عليهم لا لهم بما أرادوا أن يجعلوا سيئاتهم وعقوباتهم حجة على إبطال رسالته . والله تعالى قد شهد له : أنه أرسله للناس رسولا . فكان ختم الكلام بهذا إبطالا لقولهم : إن المصائب من عند الرسول . ولهذا قال ، بعد هذا {
من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا } .