فصل والمقصود هنا : أن
الثواب والعقاب إنما يكون على عمل وجودي بفعل الحسنات ، كعبادة الله وحده ، وترك السيئات ، كترك الشرك أمر وجودي ، وفعل السيئات ، مثل ترك التوحيد ، وعبادة غير الله أمر وجودي . قال تعالى {
من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون } وقال تعالى {
إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } وقال تعالى {
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } وقال تعالى {
للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } {
والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة } - إلى قوله - {
أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وقال تعالى
[ ص: 286 ] {
ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون }
. فأما عدم الحسنات والسيئات : فجزاؤه عدم الثواب والعقاب . وإذا فرض رجل
آمن بالرسول مجملا ، وبقي مدة لا يفعل كثيرا من المحرمات ، ولا سمع أنها محرمة ، فلم يعتقد تحريمها . مثل من آمن ولم يعلم أن الله حرم الميتة والدم ولحم الخنزير ، ولا علم أنه حرم نكاح الأقارب سوى أربعة أصناف ، ولا حرم بالمصاهرة أربعة أصناف - حرم على كل من الزوجين أصول الآخر وفروعه - فإذا آمن ولم يفعل هذه المحرمات ، ولا اعتقد تحريمها ، لأنه لم يسمع ذلك : فهذا لا يثاب ولا يعاقب . ولكن إذا علم التحريم فاعتقده : أثيب على اعتقاده . وإذا ترك ذلك - مع دعاء النفس إليه - أثيب ثوابا آخر ، كالذي تدعوه نفسه إلى الشهوات فينهاها كالصائم الذي تشتهي نفسه الأكل والجماع فينهاها ، والذي تشتهي نفسه شرب الخمر والفواحش فينهاها . فهذا يثاب ثوابا آخر ، بحسب نهيه لنفسه ، وصبره على المحرمات ، واشتغاله بالطاعات التي هي ضدها .
فإذا فعل تلك الطاعات كانت مانعة له عن المحرمات .
[ ص: 287 ] وإذا تبين هذا :
فالحسنات التي يثاب عليها كلها وجودية ، نعمة من الله تعالى وما أحبته النفس من ذلك ، وكرهته من السيئات : فهو الذي حبب الإيمان إلى المؤمنين ، وزينه في قلوبهم . وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان .