[ ص: 398 ] وقد طلبت الشفاعة من أكابر الرسل وأولي العزم وكل يقول " إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله . ولن يغضب بعده مثله . وإني فعلت كذا وكذا نفسي نفسي نفسي " فإذا كان هؤلاء لا يتقدمون إلى مخاطبة الله تعالى بالشفاعة فكيف بغيرهم ؟ .
وأيضا فإن هذه الآية مذكورة بعد ذكر المتقين وأهل الجنة وبعد أن ذكر الكافرين . فقال {
إن للمتقين مفازا } {
حدائق وأعنابا } {
وكواعب أترابا } {
وكأسا دهاقا } {
لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا } {
جزاء من ربك عطاء حسابا } {
رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا } ثم قال {
يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } فقد أخبر : أن " الروح والملائكة " يقومون صفا لا يتكلمون . وهذا هو تحقيق قوله {
لا يملكون منه خطابا }
والعرب تقول : ما أملك من أمر فلان أو من فلان شيئا أي لا أقدر من أمره على شيء . وغاية ما يقدر عليه الإنسان من أمر غيره : خطابه ولو بالسؤال . فهم في ذلك الموطن لا يملكون من الله شيئا ولا الخطاب . فإنه لا يتكلم أحد إلا بإذنه . ولا يتكلم إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا .
قال تعالى {
إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء } فقد
أخبر الخليل : أنه لا يملك لأبيه من الله من شيء . فكيف غيره ؟ . وقال
مجاهد أيضا {
إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا } قال : حقا في الدنيا وعملا به . رواه - والذي قبله -
عبد بن حميد .
وروي عن
عكرمة {
وقال صوابا } قال : الصواب قول لا إله إلا الله . فعلى قول
مجاهد : يكون المستثنى : من أتى بالكلم الطيب والعمل الصالح . وقوله في سورة طه {
لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } فإذا جعلت هذه مثل تلك : فتكون الشفاعة هي الشفاعة المطلقة . وهي الشفاعة في الحسنات وفي دخول الجنة كما في الصحيحين {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597600أن الناس يهتمون يوم القيامة . فيقولون : لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مقامنا هذا ؟ } فهذا طلب الشفاعة للفصل بينهم .
وفي حديث الشفاعة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597601أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن } فهذه شفاعة في أهل الجنة . ولهذا قيل : إن
[ ص: 400 ] هاتين الشفاعتين مختصتان
بمحمد صلى الله عليه وسلم . ويشفع غيره في العصاة . فقوله {
يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } يدخل فيها الشفاعة في أهل الموقف عموما وفي أهل الجنة وفي المستحقين للعذاب . وهو سبحانه في هذه وتلك : لم يذكر العمل . إنما قال {
وقال صوابا } وقال {
ورضي له قولا } لكن قد دل الدليل على أن " القول الصواب المرضي " لا يكون صاحبه محمودا إلا مع العمل الصالح لكن نفس القول مرضي فقد قال الله {
إليه يصعد الكلم الطيب } .