[ ص: 442 ] سورة الأحزاب وقال شيخ الإسلام رحمه الله قوله تعالى : {
النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا } دليل على مثل معنى الحديث الصحيح : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597793أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أو ضياعا فعلي } حيث جعله الله أولى بهم من أنفسهم .
ثم جعل الأقارب بعضهم أولى ببعض ; لأن كونه أولى بهم من أنفسهم يقتضي أن يكون أولى بهم من أولي أرحامهم ; وذلك لا يقتضي ملك مالهم أحياء فكذلك أمواتا وإنما يقتضي حمل الكل والضياع من ماله وهو الخمس أو خمسه أو مال الفيء كله على الخلاف المعروف وفيه دليل على أن الأولوية المقتضية للميراث المذكورة في قوله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=24611فلأولى رجل ذكر } مشروطة بالإيمان .
[ ص: 443 ] وهذه الآية المقيدة تقضي على تلك المطلقة في الأنفال لثلاثة أوجه .
" أحدها " أن هذه في سورة الأحزاب بعد
الخندق وتلك في الأنفال عقب
بدر .
" الثاني " أن هذا مطلق ومقيد في حكم واحد وسبب واحد والحكم هنا متضمن للإباحة والاستحقاق والتحريم على الغير وإيجاب الإعطاء .
" الثالث " أن آية الأنفال ذكر فيها الأولوية بعد أن قطع الموالاة بين المؤمنين والكافرين أيضا فهي دليل ثان وهاتان الآيتان تفسران المطلق في آية المواريث ويكون هذا
تفسير القرآن بالقرآن وإن كان قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=31282لا يرث الكافر المسلم } موافقا له ; فأما ميراث المسلم من الكافر ففيه الخلاف الشاذ فنستفيد من الآيتين أيضا مع الحديث ويدخل في الآيتين سائر الولايات من المناكح والأموال والعقل والموت وفي قوله : {
إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } دليل على الوصية كآيات النساء .
قوله : {
فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم } الآية دليل على أن ما أبيح له كان مباحا لأمته ; لأنه أخبر أن التزويج كان لمنع الحرج عن الأمة في مثل ذلك التزويج فلولا أن فعله المباح له يقتضي الإباحة لأمته لم يحسن التعليل وهذا ظاهر .
[ ص: 444 ] وأيضا فإنه إذا كان ذلك في تزويجه امرأة الدعي الذي كان يعتقد أن تزوجها حرام ففي ما لا شبهة فيه أولى .
وأيضا إذا كان هذا في النكاح الذي خص فيه من المباحات بما لم تشركه أمته كالنكاح بلا عدد وتزوج الموهوبة بلا مهر وقد بين أن إباحة عقدة النكاح دليل على إباحة ذلك لأمته ففيما لم يظهر خصوصية فيه كالنكاح أولى . وهذا يدل على أن سائر ما أبيح له مباح لأمته إلا ما خصه الدليل من المعاملات والأطعمة واللباس ونحو ذلك .
وأيضا فيدل على هذا الأصل قوله : في سياق ما أحله له : {
وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم لكيلا يكون عليك حرج } من وجهين .
" أحدهما " أنه لما أحل له الواهبة قال : {
خالصة لك من دون المؤمنين } ليبين اختصاصه بذلك . فعلم أنه حيث سكت عن الاختصاص كان الاشتراك ثابتا وإلا فلا معنى لتخصيص هذا الموضع ببيان الاختصاص .
" الثاني " أنه ما أحله من الأزواج ومن المملوكات ومن الأقارب
[ ص: 445 ] أطلق وفي الموهوبة قيدها بالخلوص له ; فعلم أن سكوته عن التقييد في أولئك دليل الاشتراك .
فإن قيل : السكوت لا يدل على واحد منهما والتقييد بالخلوص ينفي الاشتراك فتكون فائدته أن لا يظن الاشتراك بدليل منفصل فإن التحليل له لا يدل على الاختصاص قطعا لكن هل يدل على الاشتراك أم لا يدل على واحد منهما ؟ هذا موضع التردد . فإذا قيد بالخلوص دل على الاختصاص . قيل : لو لم يدل على الاشتراك لم يثبت الحكم في حق الأمة لانتفاء دليله كما أن ما سكت عنه من المحرمات لم يثبت الحكم لانتفاء دليله .
وهنا إما أن يقال : كانوا يستحلونه على الأصل وليس كذلك ; لأن الفروج محظورة إلا بالتحليل الشرعي فكان يكون محظورا عليهم فلا يحتاج إلى إخلاصه له لو لم يكن الخطاب المطلق يقتضي الاشتراك والعموم وأنه من باب الخاص في اللفظ العام في الحكم .
وأصل هذا أن اللفظ في اللغة قد يصير بحسب العرف الشرعي أو غيره أخص أو أعم ; فالخطاب له وإن كان خاصا في اللفظ لغة فهو عام عرفا وهو مما نقل بالعرف الشرعي من الخصوص إلى العموم كما ينقل مثل ذلك في مخاطبات الملوك ونحو ذلك وهو كثير . كما أن
[ ص: 446 ] العام قد يصير بالعرف خاصا .
وأيضا فإنه يبنى ذلك على أصل دليل الخطاب وأن التخصيص بالذكر مع العام المقتضي للتعميم يدل على التخصيص بالحكم فلما خص خطاب الموهوبة بذكر الخلوص دل على انتفاء الخلوص عن الباقي . وإنما انتفاء الخلوص عن الباقي بعدم ذكر الخلوص مع إثبات التحليل للرسول صلى الله عليه وسلم فعلم أن إثبات التحليل له مع عدم تخصيصه به يقتضي العموم .
وعلى هذا
فالخطاب الذي مخرجه في اللغة خاص ثلاثة أقسام .
إما أن يدل على العموم كما في العام عرفا مثل خطاب الرسول والواحد من الأمة ومثل تنبيه الخطاب كقوله : لا أشرب لك الماء من عطش ومثقال حبة وقنطار ودينار .
وإما أن يدل على اختصاص المذكور بالحكم ونفيه عما سواه كما في مفهوم المخالفة إذا كان المقتضي للتعميم قائما وخص أحد الأقسام بالذكر .
وإما أن لا يدل على واحد منهما لفظا ثم يوجد العموم من جهة المعنى إما من جهة قياس الأولى وإما من جهة سائر أنواع القياس
[ ص: 447 ] ويجب الفرق بين تنبيه الخطاب وبين قياس الأولى فإن الحكم في ذاك مستفاد من اللفظ عمهما عرفا [ و ] خطا [ با ] وهنا مستفاد من الحكم بحيث لو دل على الحكم فعل أو إقرار أو خطاب يقطع معه بأن المتكلم لم يرد إلا الصورة لكان ثبوت الحكم لنوع يقتضي ثبوته لما هو أحق به منه ; فالعموم هنا معنوي محض وهناك لفظي ومعنوي فتدبر هذا فإنه فصل بين المتنازعين من أصحابنا وغيرهم في التنبيه هل هو مستفاد من اللفظ أو هو قياس جلي ؟ لتعلم أنه قسمان .
والفرق أن المستفاد من اللفظ يريد المتكلم به العموم . ويمثل بواحد تنبيها كقول النحوي : ضرب زيد عمرا ; بخلاف المستفاد من المعنى .
والآية المتقدمة وهي
قوله : { زوجناكها لكي لا } تدل على أن أفعاله صلى الله عليه وسلم تقتضي الإباحة لأمته مع القطع بأن الفعل في نفسه لا يعم لفظا ووضعا وإنما يعم بما ثبت من أن الأصل الاشتراك والايتساء . ويدل على ذلك أيضا قوله في السورة : {
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } الآية . فإن فيها التأسي فيما أصابه . ومتى ثبت الحكم في الايتساء به في حكمه عندما أصابه : كان كذلك فيما فعله ; إذ المصاب عليه فيه واجبات ومحرمات ; فدلت هذه
[ ص: 448 ] الآية على أن الأصل مشاركته في الإيجاب والحظر كما دلت تلك على أن الأصل مشاركته في الإحلال .