فصل "
الأعلى " على وزن أفعل التفضيل مثل الأكرم والأكبر والأجل . ولهذا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597822قال النبي صلى الله عليه وسلم لما قال أبو سفيان [ ص: 112 ] اعل هبل اعل هبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ألا تجيبونه ؟ قالوا : وما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل } . . وهو مذكور بأداة التعريف " الأعلى " مثل {
وربك الأكرم } بخلاف ما إذا قيل " الله أكبر " فإنه منكر .
ولهذا معنى يخصه يتميز به ولهذا معنى يخصه يتميز به كما بين العلو والكبرياء والعظمة . فإن هذه الصفات وإن كانت متقاربة بل متلازمة فبينها فروق لطيفة ; ولهذا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597823قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تعالى : العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحدا منهما عذبته } . فجعل الكبرياء بمنزلة الرداء وهو أعلى من الإزار .
ولهذا كان شعائر الصلاة والأذان والأعياد والأماكن العالية هو التكبير . وهو أحد الكلمات التي هي
أفضل الكلام بعد القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يجئ في شيء من الأثر بدل قول " الله أكبر " " الله أعظم " ولهذا كان جمهور الفقهاء على أن
الصلاة لا تنعقد إلا بلفظ التكبير . فلو قال : " الله أعظم " لم تنعقد به الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597824مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم } . وهذا
[ ص: 113 ] قول
مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف وداود وغيرهم . ولو أتى بغير ذلك من الأذكار مثل سبحان الله والحمد لله لم تنعقد به الصلاة .
ولأن
التكبير مختص بالذكر في حال الارتفاع كما أن التسبيح مختص بحال الانخفاض كما في السنن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597825عن جابر بن عبد الله قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا وإذا هبطنا سبحنا فوضعت الصلاة على ذلك } .
{
nindex.php?page=hadith&LINKID=597826ولما نزل قوله : { فسبح باسم ربك العظيم } قال : اجعلوها في ركوعكم } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597827ولما نزل { سبح اسم ربك الأعلى } قال : اجعلوها في سجودكم } . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597828وثبت عنه أنه كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى } ولم يكن يكبر في الركوع والسجود .
لكن قد كان يقرن بالتسبيح التحميد والتهليل كما ثبت في الصحيحين عن
عائشة أنه صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597829كان يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن } أي يتأول قوله : {
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } . فكان يجمع بين التسبيح والتحميد .
[ ص: 114 ] وكذلك قد كان يقرن بالتسبيح في الركوع والسجود التهليل كما في صحيح
مسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597830عن عائشة قالت : افتقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه فتحسست ثم رجعت فإذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت . فقلت : بأبي أنت وأمي إني لفي شأن وإنك لفي شأن } .
ففي هذه الأحاديث كلها أنه كان يسبح في الركوع والسجود لكن قد يقرن بالتسبيح التحميد والتهليل وقد يقرن به الدعاء . ولم ينقل أنه كبر في الركوع والسجود .
وأما
قراءة القرآن فيهما فقد ثبت عنه أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=12872إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعا وساجدا } رواه
مسلم من حديث
علي ومن حديث
ابن عباس . وذلك أن القرآن كلام الله فلا يتلى إلا في حال الارتفاع والتكبير أيضا محله حال الارتفاع .
وجمهور العلماء على أنه يشرع
التسبيح في الركوع والسجود وروي عن
مالك أنه كره المداومة على ذلك لئلا يظن وجوبه . ثم اختلفوا في وجوبه . فالمشهور عن
أحمد وإسحاق وداود وغيرهم وجوبه . وعن
أبي حنيفة والشافعي استحبابه .
والقائلون بالوجوب منهم من يقول : يتعين " سبحان ربي العظيم "
[ ص: 115 ] و " سبحان ربي الأعلى " للأمر بهما وهو قول كثير من أصحاب
أحمد : ومنهم من يقول : بل يذكر بعض الأذكار المأثورة .
والأقوى أنه يتعين التسبيح إما بلفظ " سبحان " وإما بلفظ " سبحانك " ونحو ذلك . وذلك أن القرآن سماها " تسبيحا " فدل على وجوب التسبيح فيها وقد بينت السنة أن محل ذلك الركوع والسجود كما سماها الله " قرآنا " وقد بينت السنة أن محل ذلك القيام . وسماها " قياما " و " سجودا " و " ركوعا " وبينت السنة علة ذلك ومحله .
وكذلك التسبيح يسبح في الركوع والسجود . وقد نقل {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597831عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول سبحان ربي العظيم و سبحان ربي الأعلى ; وأنه كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي ; و سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت } . وفي بعض روايات
أبي داود {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597832سبحان ربي العظيم وبحمده } وفي استحباب هذه الزيادة عن
أحمد روايتان . وفي صحيح
مسلم عن
عائشة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20175أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح قدوس رب الملائكة والروح } وفي السنن أنه كان يقول {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597833سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة } . فهذه كلها تسبيحات .
[ ص: 116 ] والمنقول عن
مالك أنه [ كان يكره المداومة على ذلك . فإن ] كان كراهة
المداومة على " سبحان ربي الأعلى والعظيم " فله وجه وإن كان كراهة المداومة على جنس التسبيح فلا وجه له وأظنه الأول . وكذلك المنقول عنه إنما هو كراهة المداومة على " سبحان ربي العظيم " لئلا يظن أنها فرض ; وهذا يقتضي أن
مالكا أنكر أن تكون فرضا واجبا .
وهذا قوي ظاهر بخلاف جنس التسبيح فإن أدلة وجوبه في الكتاب والسنة كثيرة جدا . وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على التسبيح بألفاظ متنوعة .
وقوله " اجعلوها في ركوعكم وفي سجودكم " يقتضي أن هذا محل لامتثال هذا الأمر لا يقتضي أنه لا يقال إلا هي مع ما قد ثبت أنه كان يقول غيرها .
والجمع بين صيغتي تسبيح بعيد بخلاف الجمع بين التسبيح والتحميد والتهليل والدعاء . فإن هذه أنواع والتسبيح نوع واحد فلا يجمع فيه بين صيغتين .
وأيضا قد ثبت في الصحيح أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597834أفضل الكلام بعد القرآن [ ص: 117 ] أربع وهن من القرآن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر } . فهذا يقتضي أن هذه الكلمات أفضل من غيرها . فإن جعل التسبيح نوعا واحدا ف " سبحان الله " و " سبحان ربي الأعلى " سواء وإن جعل متفاضلا ف " سبحان الله " أفضل بهذا الحديث .
وأيضا فقوله : {
سبح اسم ربك الأعلى } و {
فسبح باسم ربك العظيم } أمر بتسبيح ربه ليس أمرا بصيغة معينة . فإذا قال " سبحان الله وبحمده " " سبحانك اللهم وبحمدك " فقد سبح ربه الأعلى والعظيم . فإن الله هو الأعلى وهو العظيم واسمه " الله " يتناول معاني سائر الأسماء بطريق التضمن وإن كان التصريح بالعلو والعظمة ليس هو فيه . ففي اسمه " الله " التصريح بالإلهية واسمه " الله " أعظم من اسمه " الرب " . وفي صحيح
مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597835أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : أي الكلام أفضل ؟ فقال : ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده } .
فالقيام فيه التحميد [ و ] في الاعتدال من الركوع وفي الركوع والسجود التسبيح وفي الانتقال التكبير وفي القعود التشهد وفيه التوحيد . فصارت الأنواع الأربعة في الصلاة .
[ ص: 118 ] والفاتحة أيضا فيها التحميد والتوحيد . فالتحميد والتوحيد ركن يجب في القراءة ; والتكبير ركن في الافتتاح ; والتشهد الآخر ركن في [ القعود كما هو ] المشهور عن
أحمد وهو مذهب
الشافعي وفيه التشهد المتضمن للتوحيد .
يبقى التسبيح
وأحمد يوجبه في الركوع والسجود وروي عنه أنه ركن وهو قوي لثبوت الأمر به في القرآن والسنة . فكيف يوجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجئ أمر بها في الصلاة خصوصا ولا يوجب التسبيح مع الأمر به في الصلاة ومع كون الصلاة تسمى " تسبيحا " ؟ وكل ما سميت به الصلاة من أبعاضها فهو ركن فيها كما سميت " قياما " و " ركوعا " و " سجودا " " وقراءة " وسميت أيضا " تسبيحا " .
ولم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما ينفي وجوبه في حال السهو كما ورد في التشهد الأول أنه لما تركه سجد للسهو ; لكن قد يقال : لما لم يأمر به المسيء في صلاته دل على أنه واجب ليس بركن . وبسط هذه المسائل له موضع آخر .
والمقصود هنا أن التسبيح قد خص به حال الانخفاض كما خص حال الارتفاع بالتكبير . فذكر العبد في حال انخفاضه وذله ما يتصف به
[ ص: 119 ] الرب [ مقابل ] ذلك . فيقول في السجود " سبحان ربي الأعلى " وفي الركوع " سبحان ربي العظيم " .
و " الأعلى " يجمع معاني العلو جميعها وأنه الأعلى بجميع معاني العلو . وقد اتفق الناس على أنه علا على كل شيء بمعنى أنه قاهر له قادر عليه متصرف فيه كما قال : {
إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } وعلا أنه عال عن كل عيب ونقص فهو عال عن ذلك منزه عنه كما قال تعالى : {
ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا } {
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما } {
ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا } {
قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } {
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا } فقرن تعاليه عن ذلك بالتسبيح .
وقال تعالى : {
ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون } {
عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون } وقالت الجن : {
وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا }
[ ص: 120 ] وفي دعاء الاستفتاح : " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك " . وفي الصحيحين أنه كان يقول في آخر استفتاحه : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=597836تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك } فقد بين سبحانه أنه تعالى عما يقول المبطلون وعما يشركون . فهو متعال عن الشركاء والأولاد كما أنه مسبح عن ذلك .
وتعاليه سبحانه عن الشريك هو تعاليه عن السمي والند والمثل فلا يكون شيء مثله .
وقد ذكروا
من معاني العلو الفضيلة كما يقال : الذهب أعلى من الفضة . ونفي المثل عنه يقتضي أنه أعلى من كل شيء فلا شيء مثله . وهو يتضمن أنه أفضل وخير من كل شيء كما أنه أكبر من كل شيء . وفي القرآن : {
قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون } . ويقول : {
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } ويقول : {
أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى } وقالت السحرة : {
والله خير وأبقى } وهو سبحانه يبين أن المعبودين دونه ليسوا مثله في مواضع كقوله : {
قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون } {
فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون } {
كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون } {
قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون } {
قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون } {
وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون } .
وقال تعالى : {
أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون } {
وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم } {
والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } {
والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون } {
أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } وكذلك قوله في أثناء السورة {
ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون } {
وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم } فهو سبحانه يبين أنه هو المستحق للعبادة دون ما يعبد من دونه
[ ص: 122 ] وأنه لا مثل له . ويبين ما اختص به من صفات الكمال وانتفائها عما يعبد من دونه . ويبين أنه يتعالى عما يشركون وعما يقولون من إثبات الأولاد والشركاء له .
وقال : {
قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } وهم كانوا يقولون إنهم يشفعون لهم ويتقربون بهم .
لكن كانوا يثبتون الشفاعة بدون إذنه فيجعلون المخلوق يملك الشفاعة وهذا نوع من الشرك . فلهذا قال تعالى : {
ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة } فالشفاعة لا يملكها أحد غير الله .
كما روى
ابن أبي حاتم عن
السدي في قوله : {
إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } يقول : لابتغت الحوائج من الله . وعن
معمر عن
قتادة : {
لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } لابتغوا التقرب إليه مع أنه ليس كما يقولون . وعن
سعيد عن
قتادة : {
لو كان معه آلهة كما يقولون } يقول : لو كان معه آلهة إذا لعرفوا له فضله ومزيته عليهم ولابتغوا إليه ما يقربهم إليه . وروي عن
سفيان الثوري : لتعاطوا سلطانه .
وعن
أبي بكر الهذلي عن
سعيد بن جبير : سبيلا إلى أن يزيلوا ملكه
والهذلي ضعيف .
[ ص: 123 ] فقد تضمن العلو الذي ينعت به نفسه في كتابه أنه متعال عما لا يليق به من الشركاء والأولاد فليس كمثله شيء . وهذا يقتضي ثبوت صفات الكمال له دون ما سواه .
وأنه لا يماثله غيره في شيء من صفات الكمال بل هو متعال عن أن يماثله شيء . وتضمن أنه عال على كل ما سواه قاهر له قادر عليه نافذة مشيئته فيه وأنه عال على الجميع فوق عرشه . فهذه ثلاثة أمور في اسمه " العلي " .
وإثبات علوه علوه على ما سواه وقدرته عليه وقهره يقتضي ربوبيته له وخلقه له وذلك يستلزم ثبوت الكمال . وعلوه عن الأمثال يقتضي أنه لا مثل له في صفات الكمال .
وهذا وهذا يقتضي جميع ما يوصف به في الإثبات والنفي . ففي الإثبات يوصف بصفات الكمال وفي النفي ينزه عن النقص المناقض للكمال وينزه عن أن يكون له مثل في صفات الكمال . كما قد دلت على هذا وهذا سورة الإخلاص {
قل هو الله أحد } {
الله الصمد } .
وتعاليه عن الشركاء يقتضي اختصاصه بالإلهية وأنه لا يستحق
[ ص: 124 ] العبادة إلا هو وحده كما قال : {
قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا } أي وإن كانوا كما يقولون يشفعون عنده بغير إذنه ويقربونكم إليه بغير إذنه فهو الرب والإله دونهم وكانوا يبتغون إليه سبيلا بالعبادة له والتقرب إليه . هذا أصح القولين . كما قال : {
إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } {
وما تشاءون إلا أن يشاء الله } وقال {
إنه تذكرة } {
فمن شاء ذكره } وقال : {
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب } ثم قال : {
سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا } فتعالى عن أن يكون معه إله غيره أو أحد يشفع عنده إلا بإذنه أو يتقرب إليه أحد إلا بإذنه . فهذا هو الذي كانوا يقولون .
ولم يكونوا يقولون إن آلهتهم تقدر أن تمانعه أو تغالبه . بل هذا يلزم من فرض إله آخر يخلق كما يخلق وإن كانوا هم لم يقولوا ذلك كما قال : {
ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } فقد تبين أن
اسمه " الأعلى " يتضمن اتصافه بجميع صفات الكمال وتنزيهه عما ينافيها من صفات النقص وعن أن يكون له مثل وأنه لا إله إلا هو ولا رب سواه .