[ ص: 279 ] فصل
وزعمت طائفة من هؤلاء
الاتحادية - الذين ألحدوا في أسماء الله وآياته - أن
فرعون كان مؤمنا وأنه لا يدخل النار وزعموا أنه ليس في القرآن ما يدل على عذابه بل فيه ما ينفيه كقوله :
{
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } قالوا : فإنما أدخل آله دونه . وقوله : {
يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } قالوا إنما أوردهم ولم يدخلها قالوا : ولأنه قد آمن أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل ووضع
جبريل الطين في فمه لا يرد إيمان قلبه .
وهذا القول كفر معلوم فساده بالاضطرار من دين الإسلام لم يسبق
ابن عربي إليه - فيما أعلم - أحد من أهل القبلة ; بل ولا من
اليهود ولا من
النصارى ; بل
جميع أهل الملل مطبقون على كفر فرعون . فهذا عند الخاصة والعامة أبين من أن يستدل عليه بدليل فإنه لم يكفر أحد بالله ويدعي لنفسه الربوبية والإلهية مثل
فرعون .
ولهذا ثنى الله قصته في القرآن في مواضع فإن القصص إنما هي أمثال
[ ص: 280 ] مضروبة للدلالة على الإيمان وليس في الكفار أعظم من كفره والقرآن قد دل على كفره وعذابه في الآخرة في مواضع : ( أحدها قوله تعالى في القصص : {
فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين } إلى قوله : {
وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين } .
فأخبر سبحانه أنه أرسله إلى
فرعون وقومه وأخبر أنهم كانوا قوما فاسقين وأخبر أنهم {
قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } وأخبر أن
فرعون : قال : {
ما علمت لكم من إله غيري } وأنه أمر باتخاذ الصرح ليطلع إلى إله
موسى وأنه يظنه كاذبا وأخبر أنه استكبر
فرعون وجنوده وظنوا أنهم لا يرجعون إلى الله وأنه أخذ
فرعون وجنوده فنبذهم في اليم ; فانظر كيف كان عاقبة الظالمين وأنه جعلهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون وأنه أتبعهم في الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين .
فهذا نص في أن
فرعون من الفاسقين المكذبين
لموسى الظالمين الداعين إلى النار الملعونين في الدنيا بعد غرقهم المقبوحين في الدار الآخرة . وهذا نص في أن
فرعون بعد غرقه ملعون وهو في الآخرة مقبوح غير منصور وهذا إخبار عن غاية العذاب وهو موافق للموضع الثاني في سورة المؤمن وهو قوله : {
وحاق بآل فرعون سوء العذاب } {
النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } وهذا إخبار عن
فرعون وقومه ; أنه حاق بهم سوء العذاب في البرزخ وأنهم في القيامة يدخلون أشد العذاب وهذه الآية إحدى ما استدل به العلماء على عذاب البرزخ .
وإنما دخلت الشبهة على هؤلاء الجهال : لما سمعوا
آل فرعون فظنوا أن
فرعون خارج منهم ; وهذا تحريف للكلم عن مواضعه بل
فرعون داخل في آل
فرعون بلا نزاع بين أهل العلم بالقرآن واللغة يتبين ذلك بوجوه : -
( أحدهما ) أن لفظ آل فلان في الكتاب والسنة يدخل فيها ذلك الشخص مثل قوله في الملائكة الذين ضافوا
إبراهيم : {
إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } {
إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين } {
إلا امرأته } ثم قال : {
فلما جاء آل لوط المرسلون } {
قال } يعني
لوطا : {
إنكم قوم منكرون } وكذلك قوله : {
إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر } ثم قال بعد ذلك : {
ولقد جاء آل فرعون النذر } {
كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر } . ومعلوم أن
لوطا داخل في
آل لوط في هذه المواضع ،
وكذلك
فرعون : داخل في
آل فرعون المكذبين المأخوذين ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601258قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم }
[ ص: 282 ] وكذلك قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601259كما باركت على آل إبراهيم }
فإبراهيم داخل في ذلك وكذلك قوله
للحسن : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11115إن الصدقة لا تحل لآل محمد } . وفي الصحيح عن
عبد الله بن أبي أوفى قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601260كان القوم إذا أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة يصلي عليهم فأتى أبي بصدقة فقال : اللهم صل على آل أبي أوفى }
وأبو أوفى هو صاحب الصدقة .
ونظير هذا الاسم أهل البيت فإن الرجل يدخل في أهل بيته كقول الملائكة : {
رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت } وقول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=20301سلمان منا أهل البيت } وقوله تعالى {
إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } وذلك لأن آل الرجل من يئول إليه ونفسه ممن يئول إليه وأهل بيته هم من يأهله وهو ممن يأهل أهل بيته .
فقد تبين أن الآية التي ظنوا أنها حجة لهم : هي حجة عليهم في تعذيب
فرعون مع سائر آل
فرعون في البرزخ وفي يوم القيامة ويبين ذلك : أن الخطاب في القصة كلها إخبار عن
فرعون وقومه .
قال تعالى : {
ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين } {
إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب } إلى قوله : {
قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد } إلى قوله : {
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب } {
أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى } إلى قوله : {
وحاق بآل فرعون سوء العذاب } {
النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } إلى قوله {
قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد } .
فأخبر عقب قوله : {
أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } عن محاجتهم في النار وقول الضعفاء للذين استكبروا وقول المستكبرين للضعفاء : {
إنا كل فيها } ومعلوم أن
فرعون هو رأس المستكبرين وهو الذي استخف قومه فأطاعوه ولم يستكبر أحد استكبار
فرعون فهو أحق بهذا النعت والحكم من جميع قومه .
( الموضع الثاني ) - وهو حجة عليهم لا لهم - قوله تعالى تعالى : {
فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد } {
يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود } إلى قوله : {
بئس الرفد المرفود } فأخبر أنه يقدم قومه ولم يقل يسوقهم وأنه أوردهم النار . ومعلوم أن المتقدم إذا أورد المتأخرين النار : كان هو أول من يردها وإلا لم يكن قادما ; بل كان سائقا ; يوضح ذلك أنه قال : {
وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة } فعلم أنه وهم يردون النار وأنهم جميعا ملعونون في الدنيا والآخرة .
وما أخلق المحاج عن
فرعون أن يكون بهذه المثابة فإن المرء مع من أحب {
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } وأيضا فقد قال الله تعالى : {
فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا } يقول : هلا آمن قوم فنفعهم إيمانهم إلا قوم
يونس .
[ ص: 284 ] وقال تعالى : {
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثارا في الأرض } إلى قوله : {
سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون } فأخبر عن الأمم المكذبين للرسل أنهم آمنوا عند رؤية البأس وأنه لم يك ينفعهم إيمانهم حينئذ وأن هذه سنة الله الخالية في عباده .
وهذا مطابق لما ذكره الله في قوله
لفرعون : {
آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين } فإن هذا الخطاب هو استفهام إنكار أي الآن تؤمن وقد عصيت قبل ؟ فأنكر أن يكون هذا الإيمان نافعا أو مقبولا فمن قال : إنه نافع مقبول فقد خالف نص القرآن وخالف سنة الله التي قد خلت في عباده .
يبين ذلك أنه لو كان إيمانه حينئذ مقبولا : لدفع عنه العذاب كما دفع عن
قوم يونس فإنهم لما قبل إيمانهم متعوا إلى حين فإن الإغراق هو عذاب على كفره فإذا لم يكن كافرا لم يستحق عذابا .
وقوله بعد هذا : {
فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية } يوجب أن يعتبر من خلفه ولو كان إنما مات مؤمنا لم يكن المؤمن مما يعتبر بإهلاكه وإغراقه . وأيضا فإن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601261النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره ابن مسعود بقتل أبي جهل قال : هذا فرعون هذه الأمة } فضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل في رأس الكفار المكذبين له برأس الكفار المكذبين
لموسى .
[ ص: 285 ] فهذا يبين أنه هو الغاية في الكفر فكيف يكون قد مات مؤمنا ؟ ومعلوم أن
من مات مؤمنا : لا يجوز أن يوسم بالكفر ولا يوصف ; لأن الإسلام يهدم ما كان قبله وفي مسند
أحمد وإسحاق وصحيح
أبي حاتم عن
عوف بن مالك عن
عبد الله بن عمرو {
nindex.php?page=hadith&LINKID=601262عن النبي صلى الله عليه وسلم في تارك الصلاة : يأتي مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف } .