ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
وقد قال تعالى : { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } وقال تعالى : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } وقال تعالى : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } وهم إنما يستمعون الكلام نفسه ولا يستمعون [ ص: 37 ] مسمى المصدر الذي هو الفعل فإن ذلك لا يسمع فقوله { نحن نقص عليك أحسن القصص } من هذا الباب من باب نقرأ عليك أحسن القصص ونتلو عليك أحسن القصص كما قال تعالى : { نتلوا عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق } وقال : { فإذا قرأناه } قال ابن عباس أي قراءة جبريل { فاتبع قرآنه } فاستمع له حتى يقضي قراءته .ألا إن خير الناس بعد نبيهم مهيمنه التاليه في العرف والنكر
يريد القائم على الناس بالرعاية لهم . وفي مهيمن قولان : قيل أصله مؤيمن والهاء مبدلة من الهمزة وقيل بل الهاء أصلية . وهكذا القرآن فإنه قرر ما في الكتب المتقدمة من الخبر عن الله وعن اليوم الآخر وزاد ذلك بيانا وتفصيلا . وبين الأدلة والبراهين على ذلك وقرر نبوة الأنبياء كلهم ورسالة المرسلين وقرر الشرائع الكلية التي بعثت بها الرسل كلهم . وجادل المكذبين بالكتب والرسل بأنواع الحجج والبراهين وبين عقوبات الله لهم ونصره لأهل الكتب المتبعين لها وبين ما حرف منها وبدل وما فعله أهل الكتاب في الكتب المتقدمة وبين أيضا ما كتموه مما أمر الله ببيانه وكل ما جاءت به النبوات بأحسن الشرائع والمناهج التي نزل بها القرآن فصارت له الهيمنة على ما بين يديه من الكتب من وجوه متعددة فهو شاهد بصدقها وشاهد بكذب ما حرف منها وهو حاكم بإقرار ما أقره الله ونسخ ما نسخه فهو شاهد في الخبريات حاكم في الأمريات . [ ص: 45 ] وكذلك معنى " الشهادة " و " الحكم " يتضمن إثبات ما أثبته الله من صدق ومحكم وإبطال ما أبطله من كذب ومنسوخ وليس الإنجيل مع التوراة ولا الزبور بهذه المثابة بل هي متبعة لشريعة التوراة إلا يسيرا نسخه الله بالإنجيل ; بخلاف القرآن . ثم إنه معجز في نفسه لا يقدر الخلائق أن يأتوا بمثله ففيه دعوة الرسول وهو آية الرسول وبرهانه على صدقه ونبوته وفيه ما جاء به الرسول وهو نفسه برهان على ما جاء به .وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
ولهذا قال سليمان بن داود الهاشمي - نظير الذي قال أحمد بن حنبل الشافعي : ما رأيت أعقل من رجلين أحمد بن حنبل وسليمان بن داود الهاشمي - قال : من قال : { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } مخلوق فهو كافر . وإن كان القرآن مخلوقا كما زعموا فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال : { أنا ربكم الأعلى } وزعموا أن هذا مخلوق ؟ . ومعنى ذلك كون قول فرعون : { أنا ربكم الأعلى } كلاما قائما بذات فرعون فإن كان قوله { إنني أنا الله لا إله إلا أنا } كلاما خلقه في الشجرة كانت الشجرة هي القائلة لذلك كما كان فرعون هو القائل لذلك وحينئذ فيكون جعل الشجرة إلها أعظم كفرا من جعل فرعون إلها .إني على عقبة أقضيها لست بناسيها ولا منسيها
أي ولا آمر بتركها . والقول الثالث نؤخرها عن العمل بها بنسخنا إياها . والصواب القول الأوسط .