[ ص: 262 ] فصل
والنية محلها القلب باتفاق العلماء ; فإن نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم وقد خرج بعض
أصحاب الشافعي وجها من كلام
الشافعي غلط فيه على
الشافعي ; فإن
الشافعي إنما ذكر
الفرق بين الصلاة والإحرام بأن الصلاة في أولها كلام فظن بعض الغالطين أنه أراد التكلم بالنية وإنما أراد التكبير والنية تتبع العلم فمن علم ما يريد فعله فلا بد أن ينويه ضرورة كمن قدم بين يديه طعاما ليأكله فإذا علم أنه يريد الأكل فلا بد أن ينويه وكذلك الركوب وغيره ; بل لو كلف العباد أن يعملوا عملا بغير نية كلفوا ما لا يطيقون ; فإن كل أحد إذا أراد أن يعمل عملا مشروعا أو غير مشروع فعلمه سابق إلى قلبه وذلك هو النية وإذا علم الإنسان أنه يريد الطهارة والصلاة والصوم فلا بد أن ينويه إذا علمه ضرورة وإنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد مثل من نسي الجنابة واغتسل للنظافة أو للتبرد أو من يريد أن يعلم غيره الوضوء ولم يرد أنه يتوضأ لنفسه أو من لا يعلم أن غدا من رمضان فيصبح غير ناو للصوم .
[ ص: 263 ] وأما المسلم الذي يعلم أن غدا من رمضان وهو يريد صوم رمضان فهذا لا بد أن ينويه ضرورة ولا يحتاج أن يتكلم به وأكثر ما يقع عدم
التبييت والتعيين في رمضان عند الاشتباه مثل من لا يعلم أن غدا من رمضان أم لا فينوي صوما رمضان مطلقا أو يقصد تطوعا ثم يتبين أنه من رمضان ولو
تكلم بلسانه بشيء وفي قلبه خلافه كانت العبرة بما في قلبه لا بما لفظ به ولو
اعتقد بقاء الوقت فنوى الصلاة أداء ثم تبين خروج الوقت أو اعتقد خروجه فنواها قضاء ثم تبين له بقاؤه أجزأته صلاته بالاتفاق .
ومن عرف هذا تبين له أن النية مع العلم في غاية اليسر لا تحتاج إلى وسوسة وآصار وأغلال ; ولهذا قال بعض العلماء :
الوسوسة إنما تحصل لعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل .
وقد تنازع الناس : هل يستحب
التلفظ بالنية ؟ فقالت طائفة من
أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد : يستحب ليكون أبلغ ; وقالت طائفة من
أصحاب مالك وأحمد : لا يستحب ليكون بل التلفظ بها بدعة ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
والتابعين لم ينقل عن واحد منهم أنه تكلم بلفظ النية لا في صلاة ولا طهارة ولا صيام قالوا : لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة فالتكلم بها نوع هوس وعبث وهذيان والنية تكون في قلب الإنسان ويعتقد أنها ليست في قلبه فيريد
[ ص: 264 ] تحصيلها بلسانه وتحصيل الحاصل محال فلذلك يقع كثير من الناس في أنواع من الوسواس .
واتفق العلماء على أنه لا يسوغ الجهر بالنية لا لإمام ولا لمأموم ولا لمنفرد ولا يستحب تكريرها وإنما النزاع بينهم في التكلم بها سرا : هل يكره أو يستحب ؟ .