فأجاب : أما الحديث الأول فهو كذب موضوع عند أهل العلم بالحديث ليس هو في شيء من كتب الإسلام المعتمدة وإنما يرويه مثل داود ابن المحبر وأمثاله من المصنفين في العقل ويذكره أصحاب " رسائل إخوان الصفا " ونحوهم من المتفلسفة وقد ذكره أبو حامد في بعض [ ص: 337 ] كتبه وابن عربي وابن سبعين وأمثال هؤلاء وهو عند أهل العلم بالحديث كذب على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك أبو حاتم الرازي وأبو الفرج ابن الجوزي وغيرهما من المصنفين في علم الحديث .
وأيضا فإنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=598234بك آخذ وبك أعطي وبك الثواب وبك العقاب } فجعل به هذه الأعراض الأربعة وعند أولئك المتفلسفة الباطنية : [ ص: 338 ] أن جميع العالم صدر عن العقل الأول وهو رب السموات والأرض وما بينهما عندهم وإن كان مربوبا للواجب بنفسه وهو عندهم متولد عن الله لازم لذاته وليس هذا قول أحد من أهل الملل لا المسلمين ولا اليهود ولا النصارى إلا من ألحد منهم ولا هو قول المجوس ولا جمهور الصابئين ولا أكثر المشركين ولا جمهور الفلاسفة بل هو قول طائفة منهم .
وأيضا فإن العقل في لغة المسلمين عرض من الأعراض قائم بغيره وهو غريزة أو علم أو عمل بالعلم ; ليس العقل في لغتهم جوهرا قائما بنفسه فيمتنع أن يكون أول المخلوقات عرضا قائما بغيره فإن العرض لا يقوم إلا بمحل فيمتنع وجوده قبل وجود شيء من الأعيان وأما أولئك المتفلسفة : ففي اصطلاحهم أنه جوهر قائم بنفسه وليس هذا المعنى هو معنى العقل في لغة المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب المسلمين بلغة العرب لا بلغة اليونان فعلم أن المعنى الذي أراده المتفلسفة لم يقصده الرسول لو كان تكلم بهذا اللفظ فكيف إذا لم يتكلم به .
وأما الحديث الثاني وهو قوله : { أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم } فهذا لم يروه أحد من علماء المسلمين الذين يعتمد عليهم في الرواية وليس هو في شيء من كتبهم وخطاب الله ورسوله للناس [ ص: 339 ] عام يتناول جميع المكلفين كقوله : { يا أيها الناس } { يا أيها الذين آمنوا } { يا عبادي } { يا بني إسرائيل } وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب الناس على منبره بكلام واحد يسمعه كل أحد ; لكن الناس يتفاضلون في فهم الكلام بحسب ما يخص الله به كل واحد منهم من قوة الفهم وحسن العقيدة .
وما يرويه بعض الناس عن عمر أنه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما } فهذا كذب مختلق وكذلك ما يروى أنه أجاب أبا بكر بجواب وأجاب عائشة بجواب فهذا كذب باتفاق أهل العلم .