لقد حق لي رفض الوجود وأهله وقد علقت كفاي جمعا بموجدي
[ ص: 287 ] ثم بعد مدة غير البيت بقوله : -لقد حق لي عشق الوجود وأهله
فسألته عن ذلك فقال : مقام البداية أن يرى الأكوان حجبا فيرفضها ثم يراها مظاهر ومجالي فيحق له العشق لها كما قال بعضهم : -أقبل أرضا سار فيها جمالها فكيف بدار دار فيها جمالها
رق الزجاج وراقت الخمر وتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
يا صورة أنس سرها معنائي ما خلقك للأمر ترى لولائي
شئناك فأنشأناك خلقا بشرا لتشهدنا في أكمل الأشياء
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا مستترا ظاهرا في صورة الآكل والشارب
عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت جمع ما اعتقدوه
بيني وبينك إني تزاحمني فارفع بحقك إنيي من البين
والله ما هي إلا حيرة ظهرت وبي حلفت وإن المقسم الله
وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى بغير مراء في المرآة الصقيلة
أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر إليك بها عند انعكاس الأشعة ؟
ما غبت عن القلب ولا عن عيني ما بينكم وبيننا من بين
لا تحسب بالصلاة والصوم تنال قربا ودنوا من جمال وجلال
فارق ظلم الطبع وكن متحدا بالله وإلا كل دعواك محال
إذا بلغ الصب الكمال من الهوى وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
يشاهد حقا حين يشهده الهوى بأن صلاة العارفين من الكفر
الكون يناديك ألا تسمعني من ألف أشتاتي ومن فرقني
انظر لتراني منظرا معتبرا ما في سوى وجود من أوجدني
ذرات وجود الكون للحق شهود أن ليس لموجود سوى الحق وجود
والكون وإن تكثرت عدته منه وإلى علاه يبدو ويعود
برئت إليك من قولي وفعلي ومن ذاتي براءة مستقيل
وما أنا في طراز الكون شيء لأني مثل ظل مستحيل
أحن إليه وهو قلبي وهل يرى سواي أخو وجد يحن لقلبه ؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري وما بعده إلا لإفراط قربه
لقد حق لي عشق الوجود وأهله
يقتضي أنه يعشق إبليس وفرعون وهامان وكل كافر ويعشق الكلاب [ ص: 306 ] والخنازير والبول والعذرة وكل خبيث مع أنه باطل عقلا وشرعا فهو كاذب في ذلك متناقض فيه فإنه لو آذاه مؤذ وآلمه ألما شديدا لأبغضه وعاداه بل اعتدى في أذاه فعشق الرجل لكل موجود محال عقلا محرم شرعا .يا صورة أنس سرها معنائي
" خطاب على لسان الحق يقول لصورة الإنسان يا صورة أنس سرها معنائي ; أي هي الصورة وأنا معناها وهذا يقتضي أن المعنى غير الصورة وهو يقتضي التعدد والتفريق بين المعنى والصورة فإن كان وجود المعنى هو وجود الصورة - كما يصرح به - فلا تعدد ; وإن كان وجود هذا غير وجود هذا : فهو متناقض في قوله .ما خلقك للأمر ترى لولائي
[ ص: 308 ] كلام مجمل يمكن أن يريد به معنى صحيحا أي لولا الخالق لما وجد المكلفون ولا خلق لأمر الله لكن قد عرف أنه لا يقول بهذا وأن مراده الوحدة والحلول والاتحاد ; ولهذا قال : -شئناك فأنشأناك خلقا بشرا كي تشهدنا في أكمل الأشياء
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا لاهوته الثاقب حتى بدا في خلقه ظاهرا
في صورة الآكل والشارب
عقد الخلائق في الإله عقائدا وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
بيني وبينك إني تزاحمني فارفع بحقك إنيي من البين
بيني وبينك إني تزاحمني
خطاب لغيره وإثبات إنية بينه وبين ربه ; وهذا إثبات أمور ثلاثة ولذلك يقول :فارفع بحقك إنيي من البين
طلب من غيره أن يرفع إنيته وهذا إثبات لأمور ثلاثة .وبي حلفت وأن المقسم الله
هو أيضا من إلحادهم وإفكهم : جعل نفسه حالفة بنفسه وجعل الحالف هو الله فهو الحالف والمحلوف به كما يقولون : أرسل من نفسه إلى نفسه رسولا بنفسه فهو المرسل والمرسل إليه والرسول .لها صلواتي بالمقام أقيمها وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل واحد ساجد إلى حقيقته بالجمع في كل سجدة
[ ص: 316 ] وما كان بي صلى سواي ولم تكن صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
إلى أن قال : - وما زلت إياها وإياي لم تزل ولا فرق بل ذاتي لذاتي أحبت
وقد رفعت تاء المخاطب بيننا وفي رفعها عن فرقة الفرق رفعتي
فإن دعيت كنت المجيب وإن أكن منادي أجابت من دعاني ولبت
إلي رسولا كنت مني مرسلا وذاتي بآياتي علي استدلت
وشاهد إذا استجليت ذاتك من ترى بغير مراء في المرآة الصقيلة أغيرك فيها لاح أم أنت ناظر
إليك بها عند انعكاس الأشعة ؟
وشاهد إذا استجليت نفسك من ترى . . .
كلاما متناقضا ; لأن هنا مخاطبا ومخاطبا ومرآة تستجلى فيها الذات فهذه ثلاثة أعيان فإن كان الوجود واحدا بالعين بطل هذا الكلام وكل كلمة يقولونها تنقض أصلهم .ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم يوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
وسئل بعض العرب عن شيء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : رأيته يغلب فلا يبطر ويغلب فلا يضجر .ما غبت عن القلب ولا عن عيني ما بينكم وبيننا من بين
فهذا قول مبني على قول هؤلاء وهو باطل متناقض فإن مبناه على أنه يرى الله بعينه وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت } .ما غبت عن القلب ولا عن عيني ما بينكم وبيننا من بين
ما بينكم وبيننا من بين
فيه إثبات ضمير المتكلم وضمير المخاطب وهذا إثبات لاثنين وإن قالوا : هذه مظاهر ومجالي . قيل : فإن كانت المظاهر والمجالي غير الظاهر والمتجلي فقد ثبتت التثنية وبطلت الوحدة وإن كان هو إياها فقد بطل التعدد فالجمع بينهما تناقض .فارق ظلم الطبع وكن متحدا بالله وإلا فكل دعواك محال
إن أراد الاتحاد المطلق : فالمفارق هو المفارق وهو الطبع وظلم الطبع وهو المخاطب بقوله : " وكن متحدا بالله " وهو المخاطب بقوله : " كل دعواك محال " وهو القائل هذا القول وفي ذلك من التناقض ما لا يخفى .إذا بلغ الصب الكمال من الهوى وغاب عن المذكور في سطوة الذكر يشاهد حقا حين يشهده الهوى
بأن صلاة العارفين من الكفر
الكون يناديك أما تسمعني من ألف أشتاتي ومن فرقني ؟ انظر لتراني منظرا معتبرا
ما في سوى وجود من أوجدني
ذات وجود الكون للخلق شهود
أن ليس لموجود سوى الحق وجود
وما أنا في طراز الكون شيء لأني مثل ظل مستحيل
يناقض الوحدة لأن الظل مغاير لصاحب الظل فإذا شبه المخلوق بالظل لزم إثبات اثنين كما إذا شبهه بالشعاع فإن شعاع الشمس ليس هو نفس قرص الشمس وكذلك إذا شبهه بضوء السراج وغيره .أحن إليه وهو قلبي وهل يرى سواي أخو وجد يحن لقلبه ؟
ويحجب طرفي عنه إذ هو ناظري وما بعده إلا لإفراط قربه
وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه
فيجعلون كلام المخلوقين - من الكفر والكذب وغير ذلك - كلاما لله .