. فهذا الاتباع والتقليد الذي ذمه الله هو اتباع الهوى إما للعادة والنسب كاتباع الآباء وإما للرئاسة كاتباع الأكابر والسادة والمتكبرين فهذا مثل تقليد الرجل لأبيه أو سيده أو ذي سلطانه وهذا يكون لمن لم يستقل بنفسه وهو الصغير : فإن دينه دين أمه فإن فقدت فدين ملكه وأبيه : فإن فقد كاللقيط فدين المتولي عليه وهو أهل البلد الذي هو فيه فأما إذا بلغ وأعرب لسانه فإما شاكرا وإما كفورا .
وقد بين الله أن الواجب الإعراض عن هذا التقليد إلى اتباع ما أنزل الله على رسله ; فإنهم حجة الله التي أعذر بها إلى خلقه .
والكلام في التقليد في شيئين : في كونه حقا ; أو باطلا من جهة الدلالة . وفي كونه مشروعا ; أو غير مشروع من جهة الحكم .
أما الأول فإن التقليد المذكور لا يفيد علما ؟ فإن المقلد يجوز أن يكون مقلده مصيبا : ويجوز أن يكون مخطئا وهو لا يعلم أمصيب هو أم مخطئ ؟ فلا تحصل له ثقة ولا طمأنينة فإن علم أن مقلده مصيب [ ص: 17 ] كتقليد الرسول أو أهل الإجماع فقد قلده بحجة وهو العلم بأنه عالم وليس هو التقليد المذكور وهذا التقليد واجب ; للعلم بأن الرسول معصوم ; وأهل الإجماع معصومون .
فإن اتباع الراوي واجب لأنه انفرد بعلم ما أخبر به : بخلاف الرأي فإنه يمكن أن يعلم من حيث علم ولأن غلط الرواية بعيد ; فإن ضبطها سهل ; ولهذا نقل عن النساء والعامة بخلاف غلط الرأي فإنه كثير ; لدقة طرقه وكثرتها وهذا هو العرف لمن يجوز قبول الخبر مع إمكان مراجعة المخبر عنه ولا يجوز قبول المعنى مع إمكان معرفة الدليل .
وأما العرف الأول فمتفق عليه بين أهل العلم ; ولهذا يوجبون اتباع الخبر ولا يوجب أحد تقليد العالم على من أمكنه الاستدلال وإنما يختلفون في جوازه ; لأنه يمكنه أن يعلم من حيث علم فهذه جملة .
[ ص: 18 ] وأما تفصيلها فنقول : الناس في الاستدلال والتقليد على طرفي نقيض منهم من يوجب الاستدلال حتى في المسائل الدقيقة : أصولها وفروعها على كل أحد . ومنهم من يحرم الاستدلال في الدقيق على كل أحد وهذا في الأصول والفروع وخيار الأمور أوساطها .