[ ص: 199 ] وقال : فصل
" الإيجاب والتحريم " قد يكون نعمة ; وقد يكون عقوبة ; وقد يكون محنة .
فالأول كإيجاب الإيمان والمعروف ; وتحريم الكفر والمنكر وهو الذي أثبته القائلون بالحسن والقبح العقليين والعقوبة كقوله : {
فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } وقوله : {
وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما } إلى قوله : {
ذلك جزيناهم ببغيهم } وقوله : {
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } فسماها آصارا وأغلالا والآصار في الإيجاب والأغلال في التحريم . وقوله : {
ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا } ويشهد له قوله : {
وما جعل عليكم في الدين من حرج } وقوله : {
ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } فإن هذا النفي العام ينفي كل ما يسمى حرجا
[ ص: 200 ] والحرج : الضيق فما أوجب الله ما يضيق ; ولا حرم ما يضيق وضده السعة والحرج مثل الغل وهو : الذي لا يمكنه الخروج منه مع حاجته إلى الخروج وأما المحنة فمثل قوله : {
إن الله مبتليكم بنهر } الآية .
ثم ذلك قد يكون بإنزال الخطاب وهذا لا يكون إلا في زمن الأنبياء وقد انقطع . وقد يكون بإظهار الخطاب لمن لم يكن سمعه ; ثم سمعه وقد يكون باعتقاد نزول الخطاب أو معناه وإن كان اعتقادا مخطئا لأن الحكم الظاهر تابع لاعتقاد المكلف .
فالتكليف الشرعي إما أن يكون باطنا وظاهرا ; مثل الذي تيقن أنه منزل من عند الله . وإما أن يكون ظاهرا ; مثل الذي يعتقد أن حكم الله هو الإيجاب أو التحريم ; إما اجتهادا وإما تقليدا وإما جهلا مركبا بأن نصب سبب يدل على ذلك ظاهرا دون ما يعارضه تكليف ظاهر ; إذ المجتهد المخطئ مصيب في الظاهر لما أمر به ; وهو مطيع في ذلك هذا من جهة الشرع وقد يكون من جهة الكون بأن يخلق سبحانه ما يقتضي وجود التحريم الثابت بالخطاب والوجوب الثابت بالخطاب كقوله : {
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون } فأخبر أنه
[ ص: 201 ] بلاهم بفسقهم حيث أتى بالحيتان يوم التحريم ومنعها يوم الإباحة . كما يؤتى المحرم المبتلى بالصيد يوم إحرامه . ولا يؤتى به يوم حله ; أو يؤتى بمن يعامله ربا ولا يؤتى بمن يعامله بيعا .
ومن ذلك مجيء الإباحة والإسقاط نعمة وهذا كثير كقوله : {
الآن خفف الله عنكم } وقد تقدم نظائرها .