[ ص: 220 ] وسئل شيخ الإسلام أن يشرح ما ذكره نجم الدين بن حمدان : من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل ولا تقليد أو عذر آخر ؟ .
فأجاب : هذا يراد به شيئان : أحدهما : أن من التزم مذهبا معينا ثم فعل خلافه من غير تقليد لعالم آخر أفتاه ; ولا استدلال بدليل يقتضي خلاف ذلك ومن غير عذر شرعي يبيح له ما فعله ; فإنه يكون متبعا لهواه وعاملا بغير اجتهاد ولا تقليد فاعلا للمحرم بغير عذر شرعي فهذا منكر . وهذا المعنى هو الذي أورده الشيخ نجم الدين وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره على أنه ليس لأحد أن يعتقد الشيء واجبا أو حراما ثم يعتقده غير واجب ولا حرام بمجرد هواه مثل أن يكون طالبا لشفعة الجوار فيعتقدها أنها حق له ثم إذا طلبت منه شفعة الجوار اعتقدها أنها ليست ثابتة أو مثل من يعتقد إذا كان أخا مع جد أن الإخوة تقاسم الجد فإذا صار جدا مع أخ اعتقد أن الجد لا يقاسم الإخوة أو إذا كان له عدو يفعل بعض الأمور المختلف فيها كشرب النبيذ المختلف فيه ولعب الشطرنج [ ص: 221 ] وحضور السماع أن هذا ينبغي أن يهجر وينكر عليه فإذا فعل ذلك صديقه اعتقد ذلك من مسائل الاجتهاد التي لا تنكر فمثل هذا ممكن في اعتقاده حل الشيء وحرمته ووجوبه وسقوطه بحسب هواه هو مذموم بخروجه خارج عن العدالة وقد نص أحمد وغيره على أن هذا لا يجوز .
وأما إذا تبين له ما يوجب رجحان قول على قول إما بالأدلة المفصلة إن كان يعرفها ويفهمها وإما بأن يرى أحد رجلين أعلم بتلك المسألة من الآخر وهو أتقى لله فيما يقوله فيرجع عن قول إلى قول لمثل هذا فهذا يجوز بل يجب وقد نص nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد على ذلك .
وما ذكره Multitarajem.php?tid=13072,13073,13074,13075ابن حمدان : المراد به القسم الأول ; ولهذا قال : من التزم مذهبا أنكر عليه مخالفته بغير دليل أو تقليد أو عذر شرعي فدل على أنه إذا خالفه لدليل فتبين له بالقول الراجح أو تقليد يسوغ له أن يقلد في خلافه ; أو عذر شرعي أباح المحظور الذي يباح بمثل ذلك العذر لم ينكر عليه .
وهنا مسألة ثانية قد يظن أنه أرادها ولم يردها لكنا نتكلم على تقدير إرادتها وهو أن من التزم مذهبا لم يكن له أن ينتقل عنه [ ص: 222 ] قاله بعض أصحاب أحمد وكذلك غير هذا ما يذكره Multitarajem.php?tid=13072,13073,13074,13075ابن حمدان أو غيره ; يكون مما قاله بعض أصحابه وإن لم يكن منصوصا عنه وكذلك ما يوجد في كتب أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة كثير منه يكون مما ذكره بعض أصحابهم وليس منصوصا عنهم ; بل قد يكون المنصوص عنهم خلاف ذلك .
وأصل هذه المسألة أن العامي هل عليه أن يلتزم مذهبا معينا يأخذ بعزائمه ورخصه ؟ فيه وجهان لأصحاب أحمد وهما وجهان لأصحاب الشافعي والجمهور من هؤلاء وهؤلاء لا يوجبون ذلك والذين يوجبونه يقولون : إذا التزمه لم يكن له أن يخرج عنه ما دام ملتزما له أو ما لم يتبين له أن غيره أولى بالالتزام منه .
وقد صنف nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد كتابا في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا متفق عليه بين أئمة المسلمين فطاعة الله ورسوله وتحليل ما حلله الله ورسوله وتحريم ما حرمه الله ورسوله وإيجاب ما أوجبه الله ورسوله : واجب على جميع الثقلين : الإنس والجن واجب على [ ص: 224 ] كل أحد في كل حال : سرا وعلانية لكن لما كان من الأحكام ما لا يعرفه كثير من الناس رجع الناس في ذلك إلى من يعلمهم ذلك ; لأنه أعلم بما قاله الرسول وأعلم بمراده فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم وسائل وطرق وأدلة بين الناس وبين الرسول يبلغونهم ما قاله ويفهمونهم مراده بحسب اجتهادهم واستطاعتهم وقد يخص الله هذا العالم من العلم والفهم ما ليس عند الآخر وقد يكون عند ذلك في مسألة أخرى من العلم ما ليس عند هذا .
وأكثر الناس إنما التزموا المذاهب بل الأديان بحكم ما تبين لهم [ ص: 225 ] فإن الإنسان ينشأ على دين أبيه أو سيده أو أهل بلده كما يتبع . الطفل في الدين أبويه وسابيه وأهل بلده ثم إذا بلغ الرجل فعليه أن يقصد طاعة الله ورسوله حيث كانت ولا يكون ممن إذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا فكل من عدل عن اتباع الكتاب والسنة وطاعة الله والرسول إلى عادته وعادة أبيه وقومه فهو من أهل الجاهلية المستحقين للوعيد .
وكذلك من تبين له في مسألة من المسائل الحق الذي بعث الله به رسوله ثم عدل عنه إلى عادته فهو من أهل الذم والعقاب . وأما من كان عاجزا عن معرفة حكم الله ورسوله وقد اتبع فيها من هو من أهل العلم والدين ولم يتبين له أن قول غيره أرجح من قوله فهو محمود يثاب لا يذم على ذلك ولا يعاقب وإن كان قادرا على الاستدلال ومعرفة ما هو الراجح ; وتوقى بعض المسائل فعدل عن ذلك إلى التقليد فهو قد اختلف في مذهب أحمد المنصوص عنه . والذي عليه أصحابه أن هذا آثم أيضا وهو مذهب الشافعي وأصحابه وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن وغيره أنه يجوز له التقليد مطلقا وقيل : يجوز تقليد الأعلم .
وحكى بعضهم هذا عن أحمد كما ذكره أبو إسحاق في اللمع وهو غلط على أحمد ; فإن أحمد إنما يقول : هذا في أصحابه فقط [ ص: 226 ] على اختلاف عنه في ذلك وأما مثل مالك والشافعي وسفيان ; ومثل إسحاق بن راهويه nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبي عبيد فقد نص في غير موضع على أنه لا يجوز للعالم القادر على الاستدلال أن يقلدهم وقال : لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري . وكان يحب الشافعي ويثني عليه ويحب إسحاق ويثني عليه ويثني على مالك والثوري وغيرهما من الأئمة ويأمر العامي أن يستفتي إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبا عبيد nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبا ثور nindex.php?page=showalam&ids=12154وأبا مصعب . وينهى العلماء من أصحابه كأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=14274وعثمان بن سعيد وإبراهيم الحربي ; وأبي بكر الأثرم وأبي زرعة ; وأبي حاتم السجستاني ومسلم وغيرهم : أن يقلدوا أحدا من العلماء . ويقول : عليكم بالأصل بالكتاب والسنة .