فما دخل في هذا الباب مما نهى الله عنه ورسوله من التعصب والتفرق والاختلاف والتكلم بغير علم : فإنه يجب النهي عنه فليس لأحد أن يدخل فيما نهى الله عنه ورسوله وأما من ترجح عنده فضل إمام على إمام أو شيخ على شيخ بحسب اجتهاده كما تنازع المسلمون : أيهما أفضل الترجيع في الأذان أو تركه ؟ أو إفراد الإقامة أو تثنيتها ؟ وصلاة الفجر بغلس أو الإسفار بها ؟ والقنوت في الفجر أو تركه ؟ والجهر بالتسمية ; أو المخافتة بها ; أو ترك قراءتها ؟ ونحو ذلك : فهذه مسائل الاجتهاد التي تنازع فيها السلف والأئمة فكل منهم أقر الآخر على اجتهاده من كان فيها أصاب الحق فله أجران ومن كان قد اجتهد فأخطأ فله أجر وخطؤه مغفور له فمن ترجح عنده تقليد الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده تقليد مالك ومن ترجح عنده تقليد أحمد [ ص: 293 ] لم ينكر على من ترجح عنده تقليد الشافعي ونحو ذلك .
ولا أحد في الإسلام يجيب المسلمين كلهم بجواب عام : أن فلانا أفضل من فلان فيقبل منه هذا الجواب ; لأنه من المعلوم أن كل طائفة ترجح متبوعها فلا تقبل جواب من يجيب بما يخالفها فيه كما أن من يرجح قولا أو عملا لا يقبل قول من يفتي بخلاف ذلك لكن إن كان الرجل مقلدا فليكن مقلدا لمن يترجح عنده أنه أولى بالحق فإن كان مجتهدا اجتهد واتبع ما يترجح عنده أنه الحق ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقد قال تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } لكن عليه أن لا يتبع هواه ولا يتكلم بغير علم قال تعالى : { ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم } وقال تعالى { يجادلونك في الحق بعدما تبين } وما من إمام إلا له مسائل يترجح فيها قوله على قول غيره ولا يعرف هذا التفاضل إلا من خاض في تفاصيل العلم والله أعلم .