[ ص: 397 ] وقال : فصل وأما
" نسخ القرآن بالسنة " فهذا لا يجوزه
الشافعي ; ولا
أحمد في المشهور عنه ; ويجوزه في الرواية الأخرى . وهو قول أصحاب
أبي حنيفة وغيرهم وقد احتجوا على ذلك بأن الوصية للوالدين والأقربين نسخها قوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11190إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث } وهذا غلط فإن ذلك إنما نسخه آية المواريث كما اتفق على ذلك
السلف ; فإنه لما قال بعد ذكر الفرائض : {
تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم } {
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين } فلما ذكر أن الفرائض المقدرة حدوده ونهى عن تعديها : كان في ذلك بيان أنه لا يجوز أن يزاد أحد على ما فرض الله له وهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=598485إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث } وإلا فهذا الحديث وحده إنما رواه
أبو داود ونحوه من أهل السنن ليس
[ ص: 398 ] في الصحيحين ولو كان من أخبار الآحاد لم يجز أن يجعل مجرد خبر غير معلوم الصحة ناسخا للقرآن .
وبالجملة فلم يثبت أن شيئا من القرآن نسخ بسنة بلا قرآن وقد ذكروا من ذلك قوله تعالى {
فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا } وقد ثبت في صحيح
مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=75871خذوا عني ; خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم } .
وهذه الحجة ضعيفة لوجهين : أحدهما : أن هذا ليس من النسخ المتنازع فيه ; فإن الله مد الحكم إلى غاية والنبي صلى الله عليه وسلم بين تلك الغاية لكن الغاية هنا مجهولة فصار هذا يقال : إنه نسخ بخلاف الغاية البينة في نفس الخطاب كقوله : {
ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإن هذا لا يسمى نسخا بلا ريب .
الوجه الثاني : أن جلد الزاني ثابت بنص القرآن وكذلك الرجم كان قد أنزل فيه قرآن يتلى ثم نسخ لفظه وبقي حكمه وهو
[ ص: 399 ] قوله : والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم وقد ثبت الرجم بالسنة المتواترة وإجماع
الصحابة .
وبهذا يحصل الجواب عما يدعى من نسخ قوله : {
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } الآية ; فإن هذا إن قدر أنه منسوخ فقد نسخه قرآن جاء بعده ; ثم نسخ لفظه وبقي حكمه منقولا بالتواتر وليس هذا من موارد النزاع ; فإن
الشافعي وأحمد وسائر الأئمة يوجبون
العمل بالسنة المتواترة المحكمة وإن تضمنت نسخا لبعض آي القرآن لكن يقولون : إنما نسخ القرآن بالقرآن لا بمجرد السنة ويحتجون بقوله تعالى : {
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها } ويرون من تمام حرمة القرآن أن الله لم ينسخه إلا بقرآن .