وأما حديث القلتين فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه وصنف أبو عبد [ ص: 42 ] الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءا رد فيه ما ذكره ابن عبد البر وغيره .
وأما لفظ القلة فإنه معروف عندهم أنه الجرة الكبيرة كالحب وكان صلى الله عليه وسلم يمثل بهما كما في الصحيحين أنه قال في سدرة المنتهى : { وإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر } وهي قلال معروفة الصفة والمقدار ; فإن التمثيل لا يكون بمختلف متفاوت .
وهذا مما يبطل كون المراد قلة الجبل لأن قلال الجبال فيها الكبار والصغار وفيها المرتفع كثيرا وفيها ما هو دون ذلك وليس في الوجود ماء يصل إلى قلال الجبل إلا ماء الطوفان فحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على مثل هذا يشبه الاستهزاء بكلامه .
ومن عادته صلى الله عليه وسلم أنه يقدر المقدرات بأوعيتها كما قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=65129ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } والوسق حمل الجمل وكما كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع وذلك من أوعية الماء وهكذا تقدير الماء بالقلال مناسب فإن القلة وعاء الماء .
[ ص: 43 ] وتنازع العلماء فيما إذا أكلت فأرة ونحوها ثم ولغت في ماء قليل على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره . قيل : إن الماء طاهر مطلقا . وقيل نجس مطلقا حتى تعلم طهارة فمها . وقيل : إن غابت غيبة يمكن فيها ورودها على ما يطهر فمها كان طاهرا وإلا فلا . وهذه الأوجه في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما . وقيل إن طال الفصل كان طاهرا جعلا لريقها مطهرا لفمها لأجل الحاجة وهذا قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وهو أقوى الأقوال والله أعلم .