وسئل عن الرجل يسافر في الشتاء ويصيبه بلل المطر والنداوة ويمس مقادم الدواب ورحالها وغير ذلك - مما يشق الاحتراز منه على المسافر - وينزل منازل متنجسة يفرش عليها فرشه وغير ذلك مما يعلم من أحوال المسافر . فهل يعفى عن ذلك ؟ وإذا عفي عنه فهل إذا حضر في بلدته [ ص: 519 ] يجب عليه غسل ما لامس ثيابه وفرشه وفراءه ؟ وهي مرتبطة بتلك المقاود . وآلة الدواب لا تخلو من النجاسات وقد تكون في بعض الأوقات المقاود رطبة من بول أو بلل . ويمسكها بيده ويلمس بيده ثيابه وقد تكون في الصيف يده عرقانة . فهل يعفى عن جميع ذلك وإن عفي عنه في السفر هل يكون عفوا له في الحضر أم يجب غسل ما ذكر ؟ فإن الكثير من الناس لا يغسلون والأقل من الناس يعتنون بالغسل ؟ وهل كان الصحابة يغسلون من ذلك أم يتجاوزون ؟ وهل يكون الغسل من ذلك بخلاف السنة ؟ والغرض متابعة الصحابة وما كانوا عليه . وفي الرجل إذا مس ثوبه القصاب أو يده وعليه شيء من الدسم غسل ما أصابه منه . فهل هو في ذلك مصيب ؟ أو هذا وسواس ؟ وفي الرجل أيضا يصلي إلى جانبه قصاب في المسجد فيقول مكان هذا القصاب غير طاهر ; لأن القصابين لا يتحرزون من النجاسة في أبدانهم وثيابهم وإذا صافحه قصاب غسل يده ؟ وكذلك إذا مسه الطواف باللحم غسل ما أصابه منه . فهل هو مخطئ ؟ وما الحكم في ذلك ؟ وما الذي كانت عليه الصحابة .
وفي الرجل يأكل الشرائح وقد جرت العادة بأن عمالها لا يغسلون اللحم فهل يحرم أكلها أو يكره ؟ لكون القصابين يذبحون بسكين [ ص: 520 ] ويسلخون بها من غير غسل ؟ وإذا عفي عنه في الأكل : فهل يعفى عن الرجل يأكل من ذلك ويصيب ثوبه وبدنه من ذلك ولا يغسله والمراد ما لو جرى بحضرة الصحابة أو فعل أفتونا مأجورين ؟ .
فأجاب : أما مقاود الخيل ورباطها فطاهر باتفاق الأئمة لأن الخيل طاهرة بالاتفاق . ولكن الحمير فيها خلاف : هل هي طاهرة أو نجسة ؟ أو مشكوك فيها ؟ والصحيح الذي لا ريب فيه أن شعرها طاهر إذ قد بينا أن شعر الكلب طاهر فشعر الحمار أولى . وإنما الشبهة في ريق الحمار هل يلحق بريق الكلب أو بريق الخيل وأما مقاودها وبراذعها فمحكوم بطهارتها وغاية ما فيها أنه قد يصيبها بول الدواب وروثها .
وبول البغل والحمار فيه نزاع بين العلماء . منهم من يقول : هو طاهر ; ومنهم من ينجسه وهم الجمهور وهو مذهب الأئمة الأربعة : لكن هل يعفى عن يسيره ؟ على قولين : هما روايتان عن أحمد فإذا عفي عن يسير بوله وروثه كان ما يصيب المقاود وغيرها معفوا عنه وهذا مع تيقن النجاسة .
وأما مع الشك فالأصل في ذلك الطهارة والاحتياط في ذلك وسواس ; فإن الرجل إذا أصابه ما يجوز أن يكون طاهرا ويجوز أن [ ص: 521 ] يكون نجسا لم يستحب له التجنب على الصحيح ولا الاحتياط ; فإن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مر هو وصاحب له بميزاب فقطر على صاحبه منه ماء . فقال صاحبه : يا صاحب الميزاب ماؤك طاهر أو نجس ؟ فقال عمر : يا صاحب الميزاب لا تخبره فإن هذا ليس عليه .