وسئل عن أقوام يؤخرون صلاة الليل إلى النهار ، لأشغال لهم من زرع أو حرث أو جنابة أو خدمة أستاذ ، أو غير ذلك . فهل يجوز لهم ذلك ؟ أم لا ؟ .
فأجاب : لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل ، ولا يؤخر صلاة الليل إلى النهار لشغل من الأشغال ، لا لحصد ولا لحرث ولا لصناعة ولا لجنابة . ولا نجاسة ولا صيد ولا لهو ولا لعب ولا لخدمة أستاذ ، ولا غير ذلك ; بل المسلمون كلهم متفقون على أن عليه أن [ ص: 28 ] يصلي الظهر والعصر بالنهار ، ويصلي الفجر قبل طلوع الشمس ، ولا يترك ذلك لصناعة من الصناعات ، ولا للهو ولا لغير ذلك من الأشغال وليس للمالك أن يمنع مملوكه ، ولا للمستأجر أن يمنع الأجير من الصلاة في وقتها .
ومن أخرها لصناعة أو صيد أو خدمة أستاذ أو غير ذلك حتى تغيب الشمس وجبت عقوبته ، بل يجب قتله عند جمهور العلماء بعد أن يستتاب فإن تاب والتزم أن يصلي في الوقت ألزم بذلك ، وإن قال : لا أصلي إلا بعد غروب الشمس لاشتغاله بالصناعة والصيد أو غير ذلك ، فإنه يقتل .
والنبي صلى الله عليه وسلم كان أخر صلاة العصر يوم الخندق لاشتغاله بجهاد الكفار ، ثم صلاها بعد المغرب ، فأنزل الله تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } .
وعن أحمد رواية أخرى أنه يخير حال القتال بين الصلاة وبين التأخير ، ومذهب أبي حنيفة يشتغل بالقتال ويصلي بعد الوقت ، وأما تأخير الصلاة لغير الجهاد كصناعة أو زراعة أو صيد أو عمل من الأعمال ونحو ذلك فلا يجوزه أحد من العلماء ، بل قد قال تعالى : { فويل للمصلين } { الذين هم عن صلاتهم ساهون } قال طائفة من السلف هم الذين يؤخرونها عن وقتها . وقال بعضهم : هم الذين لا يؤدونها على الوجه المأمور به . وإن صلاها في الوقت فتأخيرها عن الوقت حرام باتفاق العلماء ، فإن العلماء متفقون على أن تأخير صلاة الليل إلى النهار وتأخير صلاة النهار إلى الليل بمنزلة تأخير صيام شهر رمضان إلى شوال .
فلا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لجنابة ولا حدث ولا نجاسة ولا غير ذلك ، بل يصلي في الوقت بحسب حاله ، فإن كان محدثا وقد عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله تيمم وصلى . وكذلك الجنب يتيمم ويصلي إذا عدم الماء أو خاف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد . وكذلك العريان يصلي في الوقت عريانا ، ولا يؤخر الصلاة حتى يصلي بعد الوقت في ثيابه . وكذلك إذا كان عليه نجاسة لا يقدر أن يزيلها فيصلي في الوقت بحسب حاله . وهكذا المريض يصلي على حسب حاله في الوقت ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20742صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب } فالمريض باتفاق العلماء يصلي في الوقت قاعدا أو على جنب ، إذا كان القيام يزيد في مرضه ، ولا يصلي بعد خروج الوقت قائما .
وأما تأخير صلاة النهار إلى الليل ، وتأخير صلاة الليل إلى النهار . فلا يجوز لمرض ولا لسفر ، ولا لشغل من الأشغال ، ولا لصناعة باتفاق العلماء .
بل قال nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : الجمع بين صلاتين من غير عذر من الكبائر . لكن المسافر يصلي ركعتين ليس عليه أن يصلي أربعا . بل الركعتان تجزئ المسافر في سفر القصر ، باتفاق العلماء . ومن قال إنه يجب على كل مسافر أن يصلي أربعا فهو بمنزلة من قال : إنه يجب على المسافر أن يصوم شهر رمضان ، وكلاهما ضلال ، مخالف لإجماع المسلمين ، يستتاب قائله ، فإن تاب وإلا قتل . والمسلمون متفقون على أن المسافر إذا صلى الرباعية ركعتين ، والفجر ركعتين ، والمغرب ثلاثا ، وأفطر شهر رمضان وقضاه أجزأه ذلك .
وأما من صام في السفر شهر رمضان ، أو صلى أربعا ، ففيه نزاع مشهور بين العلماء : منهم من قال لا يجزئه ذلك ، فالمريض له أن يؤخر الصوم باتفاق المسلمين ، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين ، والمسافر له أن يؤخر الصيام باتفاق المسلمين ، وليس له أن يؤخر الصلاة باتفاق المسلمين .
[ ص: 32 ] وهذا مما يبين أن المحافظة على الصلاة في وقتها أوكد من الصوم في وقته ، قال تعالى : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } قال طائفة من السلف : إضاعتها تأخيرها عن وقتها ، ولو تركوها لكانوا كفارا .
وإذا كان عليه نجاسة وليس عنده ما يزيلها به صلى في الوقت وعليه النجاسة ، كما صلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وجرحه يثغب دما ، ولم يؤخر الصلاة حتى خرج الوقت .
وكذلك إذا كان البرد شديدا ، ويضره الماء البارد ، ولا يمكنه الذهاب إلى الحمام ، أو تسخين الماء حتى يخرج الوقت ، فإنه يصلي في الوقت بالتيمم . والمرأة والرجل في ذلك سواء ، فإذا كانا جنبين ولم يمكنهما الاغتسال حتى يخرج الوقت ، فإنهما يصليان في الوقت بالتيمم .
ومن ظن أن الصلاة بعد خروج الوقت بالماء خير من الصلاة في الوقت بالتيمم فهو ضال جاهل .
وإذا استيقظ آخر وقت الفجر فإذا اغتسل طلعت الشمس ، فجمهور العلماء هنا يقولون : يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس ، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد ، وأحد القولين في مذهب مالك . وقال في القول الآخر : بل يتيمم أيضا هنا ويصلي قبل طلوع الشمس [ ص: 36 ] كما تقدم في تلك المسائل ، لأن الصلاة في الوقت بالتيمم خير من الصلاة بعده بالغسل . والصحيح قول الجمهور لأن الوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=598807من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها } . فالوقت في حق النائم هو من حين يستيقظ ، وما قبل ذلك لم يكن وقتا في حقه .
وإذا كان كذلك فإذا استيقظ قبل طلوع الشمس فلم يمكنه الاغتسال والصلاة إلا بعد طلوعها فقد صلى الصلاة في وقتها ولم يفوتها ; بخلاف من استيقظ في أول الوقت فإن الوقت في حقه قبل طلوع الشمس ، فليس له أن يفوت الصلاة . وكذلك من نسي صلاة وذكرها فإنه حينئذ يغتسل ويصلي في أي وقت كان ، وهذا هو الوقت في حقه ، فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الشمس ، كما استيقظ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما ناموا عن الصلاة عام خيبر ، فإنه يصلي بالطهارة الكاملة وإن أخرها إلى حين الزوال ، فإذا قدر أنه كان جنبا فإنه يدخل الحمام ويغتسل وإن أخرها إلى قريب الزوال ، ولا يصلي هنا بالتيمم ، ويستحب ، أن ينتقل عن المكان الذي نام فيه ، كما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن المكان الذي ناموا فيه ، وقال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=68813هذا مكان حضرنا فيه الشيطان } . وقد نص على ذلك أحمد وغيره . وإن صلى فيه جازت صلاته .
[ ص: 37 ] فإن قيل : هذا يسمى قضاء أو أداء ؟ .
قيل : الفرق بين اللفظين هو فرق اصطلاحي ; لا أصل له في كلام الله ورسوله ; فإن الله تعالى سمى فعل العبادة في وقتها قضاء ، كما قال في الجمعة : { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض } وقال تعالى : { فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله } مع أن هذين يفعلان في الوقت . و " القضاء " في لغة العرب : هو إكمال الشيء وإتمامه . كما قال تعالى : { فقضاهن سبع سماوات } أي أكملهن وأتمهن . فمن فعل العبادة كاملة فقد قضاها ، وإن فعلها في وقتها .
وكل من فعل العبادة في الوقت الذي أمر به أجزأته صلاته ، سواء نواها أداء أو قضاء ، والجمعة تصح سواء نواها أداء أو قضاء إذ أراد القضاء المذكور في القرآن ، والنائم والناسي إذا صليا وقت الذكر والانتباه فقد صليا في الوقت الذي أمرا بالصلاة فيه ، وإن كانا قد صليا بعد خروج الوقت المشروع لغيرهما . فمن سمى ذلك قضاء باعتبار هذا المعنى ، وكان في لغته أن القضاء فعل العبادة بعد خروج الوقت المقدر شرعا [ ص: 38 ] للعموم ، فهذه التسمية لا تضر ولا تنفع .
وبالجملة فليس لأحد قط شغل يسقط عنه فعل الصلاة في وقتها ، بحيث يؤخر صلاة النهار إلى الليل وصلاة الليل إلى النهار ; بل لا بد من فعلها في الوقت ; لكن يصلي بحسب حاله ، فما قدر عليه من فرائضها فعله ، وما عجز عنه سقط عنه ، ولكن يجوز الجمع للعذر بين صلاتي النهار وبين صلاتي الليل ، عند أكثر العلماء : فيجوز الجمع للمسافر إذا جد به السير عند مالك والشافعي ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، ولا يجوز في الرواية الأخرى عنه وهو قول أبي حنيفة .
وفعل الصلاة في وقتها أولى من الجمع إذا لم يكن عليه حرج ; بخلاف القصر فإن صلاة ركعتين أفضل من صلاة أربع ، عند جماهير العلماء . فلو صلى المسافر أربعا فهل تجزئه صلاته ؟ على قولين . والنبي صلى الله عليه وسلم كان في جميع أسفاره يصلي ركعتين ، ولم يصل في السفر أربعا قط ، ولا أبو بكر ، ولا عمر .