فأجاب : أما وقت العشاء فهو مغيب الشفق الأحمر لكن في البناء يحتاط حتى يغيب الأبيض فإنه قد تستتر الحمرة بالجدران فإذا غاب البياض تيقن مغيب الأحمر . هذا مذهب الجمهور كمالك والشافعي وأحمد .
وأما أبو حنيفة : فالشفق عنده هو البياض وأهل الحساب يقولون : إن وقتها منزلتان لكن هذا لا ينضبط فإن المنازل إنما تعرف بالكواكب بعضها قريب من المنزلة الحقيقية وبعضها بعيد من ذلك .
وأيضا فوقت العشاء في الطول والقصر يتبع النهار فيكون [ ص: 94 ] في الصيف أطول كما أن وقت الفجر يتبع الليل فيكون في الشتاء أطول .
وسبب غلطه أن الأنوار تتبع الأبخرة ففي الشتاء يكثر البخار بالليل فيظهر النور فيه أولا وفي الصيف تقل الأبخرة بالليل وفي الصيف يتكدر الجو بالنهار بالأبخرة ويصفو في الشتاء ; لأن الشمس مزقت البخار والمطر لبد الغبار .
وأيضا : فإن النورين تابعان للشمس هذا يتقدمها وهذا يتأخر عنها فيجب أن يكونا تابعين للشمس فإذا كان في الشتاء طال زمن مغيبها فيطول زمان الضوء التابع لها .
وأما جعل هذه الحصة بقدر هذه الحصة وأن الفجر في الصيف أطول والعشاء في الشتاء أطول وجعل الفجر تابعا للنهار : يطول في الصيف ويقصر في الشتاء وجعل الشفق تابعا لليل يقصر في الصيف ويطول في الشتاء فهذا قلب الحس والعقل والشرع . ولا يتأخر ظهور السواد عن مغيب الشمس والله أعلم .