فأجاب : أما من ترك الصلاة أو فرضا من فرائضها ; فإما أن يكون قد ترك ذلك ناسيا له بعد علمه بوجوبه وإما أن يكون جاهلا بوجوبه وإما أن يكون لعذر يعتقد معه جواز التأخير وإما أن يتركه عالما عمدا .
وكذلك من نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا : فعليه أن يعيد الصلاة بطهارة بلا نزاع حتى لو كان الناسي إماما كان عليه أن يعيد الصلاة ولا إعادة على المأمومين إذا لم يعلموا عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المنصوص المشهور عنه . كما جرى لعمر وعثمان - رضي الله عنهما .
وأما من نسي طهارة الخبث فإنه لا إعادة عليه في مذهب مالك وأحمد في أصح الروايتين عنه والشافعي في أحد قوليه ; لأن هذا من باب فعل المنهي عنه وتلك من باب ترك المأمور به ومن فعل ما نهي عنه ناسيا فلا إثم عليه بالكتاب والسنة . كما جاءت به السنة فيمن أكل في رمضان ناسيا . وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد . وطرد ذلك فيمن تكلم في الصلاة ناسيا ومن تطيب ولبس ناسيا كما هو مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه [ ص: 100 ] وكذلك من فعل المحلوف عليه ناسيا كما هو أحد القولين عن الشافعي وأحمد .
وأما من ترك الصلاة جاهلا بوجوبها : مثل من أسلم في دار الحرب ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه فهذه المسألة للفقهاء فيها ثلاثة أقوال . وجهان في مذهب أحمد : أحدها : عليه الإعادة مطلقا . وهو قول الشافعي وأحد الوجهين في مذهب أحمد .
والثاني : عليه الإعادة : إذا تركها بدار الإسلام دون دار الحرب وهو مذهب أبي حنيفة ; لأن دار الحرب دار جهل بعذر فيه ; بخلاف دار الإسلام .
والثالث : لا إعادة عليه مطلقا . وهو الوجه الثاني في مذهب أحمد وغيره .
والصحيح في جميع هذه المسائل عدم وجوب الإعادة . لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان ولأنه قال : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين لم يثبت حكم وجوبه عليه ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمارا لما أجنبا فلم يصل عمر وصلى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما وكذلك لم يأمر nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياما لا يصلي وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ لهم بالقضاء .
وكذلك من كان منافقا زنديقا يظهر الإسلام ويبطن خلافه وهو لا يصلي أو يصلي أحيانا بلا وضوء أو لا يعتقد وجوب الصلاة فإنه إذا تاب من نفاقه وصلى فإنه لا قضاء عليه عند جمهور العلماء والمرتد الذي كان يعتقد وجوب الصلاة ثم ارتد عن الإسلام ثم عاد لا يجب عليه قضاء ما تركه حال الردة عند جمهور العلماء . كمالك وأبي حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه ; فإن المرتدين الذين ارتدوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سعد بن أبي سرح وغيره مكثوا على الكفر مدة ثم أسلموا ولم يأمر أحدا منهم بقضاء ما تركوه وكذلك المرتدون على عهد أبي بكر لم يؤمروا بقضاء صلاة ولا غيرها .