وسئل عمن يبسط سجادة في الجامع ويصلي عليها : هل ما فعله بدعة أم لا ؟ .
فأجاب الحمد لله رب العالمين . أما الصلاة على السجادة بحيث يتحرى المصلي ذلك فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض لا يتخذ أحدهم سجادة يختص بالصلاة عليها . وقد روي أن nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي لما قدم المدينة بسط سجادة فأمر مالك بحبسه فقيل له : إنه nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي فقال : أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا بدعة .
فهذا بين أنهم كانوا يسجدون على التراب والحصى فكان أحدهم يسوي بيده موضع سجوده فكره لهم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العبث ورخص في المرة الواحدة للحاجة وإن تركها كان أحسن .
ففي هذا بيان أن صلاتهم في نعالهم وأن ذلك كان يفعل في المسجد إذ لم يكن يوطأ بهما على مفارش وأنه إذا رأى بنعليه أذى فإنه يمسحهما بالأرض ويصلي فيهما ولا يحتاج إلى غسلهما ولا إلى نزعهما وقت الصلاة ووضع قدميه عليهما كما يفعله كثير من الناس .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة فلفظه الثاني من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان وقد خرج له البخاري في الشواهد ومسلم في المتابعات ووثقه غير واحد . واللفظ الأول لم يسم راويه ; لكن تعدده مع عدم التهمة وعدم الشذوذ يقتضي أنه حسن أيضا وهذا أصح قولي العلماء ومع دلالة السنة عليه هو مقتضى الاعتبار ; فإن هذا محل تتكرر ملاقاته للنجاسة فأجزأ الإزالة عنه بالجامد كالمخرجين فإنه يجزئ فيهما الاستجمار بالأحجار كما تواترت به السنة مع القدرة على الماء وقد أجمع المسلمون على جواز الاستجمار .
وأيضا ففي الأول الصلاة فيهما وفي الثاني وضعهما عن يساره إذا لم يكن هناك مصل . وما ذكر من كراهة وضعهما عن يمينه أو عن يمين غيره لم يكن للاحتراز من النجاسة لكن من جهة الأدب . كما كره البصاق عن يمينه .
ولا نزاع بين أهل العلم في جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من جنس الأرض كالخمرة والحصير ونحوه وإنما تنازعوا في كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض : كالأنطاع المبسوطة من جلود الأنعام وكالبسط والزرابي المصبوغة من الصوف وأكثر أهل العلم يرخصون في ذلك أيضا وهو مذهب أهل الحديث كالشافعي وأحمد ومذهب أهل الكوفة كأبي حنيفة وغيرهم . وقد استدلوا على جواز ذلك أيضا بحديث عائشة فإن الفراش لم يكن من جنس [ ص: 175 ] الأرض وإنما كان من أديم أو صوف .
وإذا ثبت جواز الصلاة على ما يفرش - بالسنة والإجماع - علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعهم أن يتخذوا شيئا يسجدون عليه يتقون به الحر ; ولكن طلبوا منه تأخير الصلاة زيادة على ما كان يؤخرها فلم يجبهم وكان منهم من يتقي الحر إما بشيء منفصل عنه وإما بما يتصل به من طرف ثوبه .
فإن قيل : ففي حديث الخمرة حجة لمن يتخذ السجادة كما قد احتج بذلك بعضهم .
قيل : الجواب عن ذلك من وجوه : أحدها : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي على الخمرة [ ص: 176 ] دائما بل أحيانا كأنه كان إذا اشتد الحر يتقي بها الحر ونحو ذلك بدليل ما قد تقدم من حديث أبي سعيد أنه رأى أثر الماء والطين في جبهته وأنفه فلم يكن في هذا حجة لمن يتخذ السجادة يصلي عليها دائما .
والثاني : قد ذكروا أنها كانت لموضع سجوده لم تكن بمنزلة السجادة التي تسع جميع بدنه كأنه كان يتقي بها الحر هكذا قال : أهل الغريب . قالوا : " الخمرة " كالحصير الصغير تعمل من سعف النخل وتنسج بالسيور والخيوط وهي قدر ما يوضع عليه الوجه والأنف فإذا كبرت عن ذلك فهي حصير سميت بذلك لسترها الوجه والكعبين من حر الأرض وبردها . وقيل : لأنها تخمر وجه المصلي أي تستره . وقيل : لأن خيوطها مستورة بسعفها وقد قال بعضهم في حديث ابن عباس : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=17580جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فاحترق منها مثل موضع درهم } قال : وهذا ظاهر في إطلاق الخمرة على الكبير من نوعها لكن هذا الحديث لا تعلم صحته والقعود عليها لا يدل على أنها طويلة بقدر ما يصلى عليها فلا يعارض ذلك ما ذكروه .
الثالث : أن الخمرة لم تكن لأجل اتقاء النجاسة أو الاحتراز منها [ ص: 177 ] كما يعلل بذلك من يصلي على السجادة ويقول : إنه إنما يفعل ذلك للاحتراز من نجاسة المسجد أو نجاسة حصر المسجد وفرشه لكثرة دوس العامة عليه فإنه قد ثبت أنه كان يصلي في نعليه وأنه صلى بأصحابه في نعليه وهم في نعالهم وأنه أمر بالصلاة في النعال لمخالفة اليهود وأنه أمر إذا كان بها أذى أن تدلك بالتراب ويصلى بها . ومعلوم أن النعال تصيب الأرض وقد صرح في الحديث بأنه يصلي فيها بعد ذلك الدلك وإن أصابها أذى .
فمن تكون هذه شريعته وسنته كيف يستحب أن يجعل بينه وبين الأرض حائلا لأجل النجاسة فإن المراتب أربع .
أما الغلاة : من الموسوسين فإنهم لا يصلون على الأرض ولا على ما يفرش للعامة على الأرض لكن على سجادة ونحوها وهؤلاء كيف يصلون في نعالهم وذلك أبعد من الصلاة على الأرض فإن النعال قد لاقت الطريق التي مشوا فيها ; واحتمل أن تلقى النجاسة بل قد يقوى ذلك في بعض المواضع فإذا كانوا لا يصلون على الأرض مباشرين لها بأقدامهم مع أن ذلك الموقف الأصل فيه الطهارة ولا يلاقونه إلا وقت الصلاة فكيف بالنعال التي تكررت ملاقاتها للطرقات التي تمشي فيها البهائم والآدميون وهي مظنة النجاسة ولهذا هؤلاء إذا صلوا على جنازة وضعوا أقدامهم [ ص: 178 ] على ظاهر النعال ; لئلا يكونوا حاملين للنجاسة ولا مباشرين لها . ومنهم من يتورع عن ذلك فإن في الصلاة على ما في أسفله نجاسة خلافا معروفا فيفرش لأحدهم مفروش على الأرض . وهذه المرتبة أبعد المراتب عن السنة .
الثانية : أن يصلي على الحصير ونحوها دون الأرض وما يلاقيها .
الثالثة : أن يصلي على الأرض ولا يصلي في النعل الذي تكرر ملاقاتها للطرقات : فإن طهارة ما يتحرى الأرض قد يكون طاهرا واحتمال تنجيسه بعيد بخلاف أسفل النعل .
الرابعة : أن يصلي في النعلين وإذا وجد فيهما أذى دلكهما بالتراب كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فهذه المرتبة هي التي جاءت بها السنة . فعلم أن من كانت سنته هي هذه المرتبة الرابعة : امتنع أن يستحب أن يجعل بينه وبين الأرض حائلا من سجادة وغيرها ; لأجل الاحتراز من النجاسة . فلا يجوز حمل حديث الخمرة على أنه وضعها لاتقاء النجاسة فبطل استدلالهم بها على ذلك . وأما إذا كانت لاتقاء الحر فهذا يستعمل إذا احتيج إليه لذلك وإذا استغنى عنه لم يفعل .
الرابع : أن الخمرة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها الصحابة [ ص: 179 ] ولم يكن كل منهم يتخذ له خمرة بل كانوا يسجدون على التراب والحصى كما تقدم ولو كان ذلك مستحبا أو سنة لفعلوه ولأمرهم به فعلم أنه كان رخصة لأجل الحاجة إلى ما يدفع الأذى عن المصلي وهم كانوا يدفعون الأذى بثيابهم ونحوها ومن المعلوم أن الصحابة في عهده وبعده أفضل منا وأتبع للسنة وأطوع لأمره فلو كان المقصود بذلك ما يقصده متخذو السجادات لكان الصحابة يفعلون ذلك .
الوجه الخامس : أن المسجد لم يكن مفروشا بل كان ترابا وحصى وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم على الحصير وفراش امرأته ونحو ذلك ولم يصل هناك لا على خمرة ولا سجادة ولا غيرها .
فإن قيل : ففي حديث ميمونة وعائشة ما يقتضي أنه كان يصلي على الخمرة في بيته فإنه قال : ناوليني الخمرة من المسجد . وأيضا ففي حديث ميمونة المتقدم ما يشعر بذلك .
واحتجوا أيضا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدلك النعل النجس بالأرض وجعل التراب لها طهورا فإذا كان طهورا في إزالة النجاسة عن غيره فلأن يكون طهورا في إزالة النجاسة عن نفسه بطريق الأولى . وهذا القول قد يقول به من لا يقول إن النجاسة تطهر بالاستحالة فإن أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد تطهر بذلك مع قول هؤلاء إن النجاسة لا تطهر بالاستحالة .
وأما من قال : إن النجاسة تطهر بالاستحالة كما هو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد القولين في مذهب مالك وهو مذهب [ ص: 181 ] أبي حنيفة وأهل الظاهر وغيرهم فالأمر على قول هؤلاء أظهر فإنهم يقولون : إن الروث النجس إذا صار رمادا ونحوه فهو طاهر وما يقع في الملاحة من دم وميتة ونحوهما إذا صار ملحا فهو طاهر .
وقد اتفقوا جميعهم أن الخمر إذا استحالت بفعل الله سبحانه فصارت خلا طهرت . وثبت ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة فسائر الأعيان إذا انقلبت يقيسونها على الخمر المنقلبة . ومن فرق بينهما يعتذر بأن الخمر نجست بالاستحالة فطهرت بالاستحالة ; لأن العصير كان طاهرا فلما استحال خمرا نجس فإذا استحال خلا طهر .
وهذا قول ضعيف ; فإن جميع النجاسات إنما نجست أيضا بالاستحالة ; فإن الطعام والشراب يتناوله الحيوان طاهرا في حال الحياة ثم يموت فينجس وكذلك الخنزير والكلب والسباع أيضا عند من يقول بنجاستها إنما خلقت من الماء والتراب الطاهرين .
وأيضا فإن هذا الخل والملح ونحوهما أعيان طيبة طاهرة داخلة في قوله تعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } فللمحرم المنجس لها أن يقول : إنه حرمها لكونها داخلة في المنصوص أو لكونها في معنى الداخلة فيه فكلا الأمرين منتف ; فإن النص لا يتناولها [ ص: 182 ] ومعنى النص الذي هو الخبث منتف فيها ولكن كان أصلها نجسا وهذا لا يضر فإن الله يخرج الطيب من الخبيث ويخرج الخبيث من الطيب . ولا ريب أن هذا القول أقوى في الحجة نصا وقياسا .
[ ص: 183 ] الوجه الثاني : أن هؤلاء يفترش أحدهم السجادة على مصليات المسلمين من الحصر والبسط ونحو ذلك مما يفرش في المساجد فيزدادون بدعة على بدعتهم . وهذا الأمر لم يفعله أحد من السلف ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يكون شبهة لهم فضلا عن أن يكون دليلا ; بل يعللون أن هذه الحصر يطؤها عامة الناس ولعل أحدهم أن يكون قد رأى أو سمع أنه بعض الأوقات بال صبي أو غيره على بعض حصر المسجد أو رأى عليه شيئا من ذرق الحمام . أو غيره فيصير ذلك حجة في الوسواس .
وقد علم بالتواتر أن المسجد الحرام ما زال يطأ عليه المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه وهناك من الحمام ما ليس بغيره ويمر بالمطاف من الخلق ما لا يمر بمسجد من المساجد فتكون هذه الشبهة التي ذكرتموها أقوى . ثم إنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه يصلي هناك على حائل ولا يستحب ذلك فلو كان هذا مستحبا كما زعمه هؤلاء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه متفقين على ترك المستحب الأفضل . ويكون هؤلاء أطوع لله وأحسن عملا من النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه فإن هذا خلاف ما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع .
وأيضا فقد كانوا يطئون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 184 ] بنعالهم وخفافهم ويصلون فيه مع قيام هذا الاحتمال ولم يستحب لهم هذا الاحتراز الذي ابتدعه هؤلاء فعلم خطؤهم في ذلك . وقد يفرقون بينهما بأن يقولوا : الأرض تطهر بالشمس والريح والاستحالة . دون الحصير . فيقال : هذا إذا كان حقا فإنما هو من النجاسة المخففة . وذلك يظهر ب ( الوجه الثالث : وهو أن النجاسة لا يستحب البحث عما لم يظهر منها ولا الاحتراز عما ليس عليه دليل ظاهر لاحتمال وجوده فإن كان قد قال طائفة من الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم : أنه يستحب الاحتراز عن المشكوك فيه مطلقا فهو قول ضعيف . وقد ثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أنه مر هو وصاحب له بمكان فسقط على صاحبه ماء من ميزاب فنادى صاحبه : يا صاحب الميزاب أماؤك طاهر أم نجس ؟ فقال له عمر : يا صاحب الميزاب لا تخبره فإن هذا ليس عليه " فنهى عمر عن إخباره لأنه تكلف من السؤال ما لم يؤمر به . وهذا قد ينبني على أصل .
وهو : أن النجاسة إنما يثبت حكمها مع العلم فلو صلى وببدنه أو ثيابه نجاسة ولم يعلم بها إلا بعد الصلاة لم تجب عليه الإعادة في أصح قولي العلماء وهو مذهب مالك وغيره وأحمد في أقوى الروايتين وسواء كان علمها ثم نسيها أو جهلها ابتداء لما تقدم من [ ص: 185 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه ثم خلعهما في أثناء الصلاة لما أخبره جبريل أن بهما أذى ومضى في صلاته ولم يستأنفها مع كون ذلك موجودا في أول الصلاة لكن لم يعلم به فتكلفه للخلع في أثنائها مع أنه لولا الحاجة لكان عبثا أو مكروها . يدل على أنه مأمور به من اجتناب النجاسة مع العلم ومظنة تدل على العفو عنها في حال عدم العلم بها .
وفي هذا الحديث لم يأمر المأمومين بالإعادة ولا ذكر لهم أنه يعيد وأن عليه الإعادة ولا ذكرت ذلك عائشة وظاهر هذا أنه لم يعد . ولأن النجاسة من باب المنهي عنه في الصلاة وباب المنهي عنه [ ص: 186 ] معفو فيه عن المخطئ والناسي . كما قال في دعاء الرسول والمؤمنين : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } وقد ثبت في الصحيح من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن الله استجاب هذا الدعاء .
ولأن الأدلة الشرعية دلت على أن الكلام ونحوه من مبطلات الصلاة يعفى فيها عن الناسي والجاهل وهو قول مالك والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين . وقد دل على ذلك حديث ذي اليدين ونحوه وحديث معاوية بن الحكم السلمي لما شمت العاطس في الصلاة وحديث ابن مسعود المتفق عليه في التشهد لما كانوا يقولون أولا : السلام على الله قبل عباده فنهاهم عن ذلك وقال : إن الله هو السلام وأمرهم بالتشهد المشهور ولم يأمرهم بالإعادة وكذلك حديث الأعرابي الذي قال في دعائه : اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم معنا أحدا وأمثال ذلك .
فهذا ونحوه مما يبين أن الأمور المنهي عنها في الصلاة وغيرها يعفى فيها عن الناسي والمخطئ ونحوهما من هذا الباب .
وإذا كان كذلك : فإذا لم يكن عالما بالنجاسة صحت صلاته باطنا وظاهرا فلا حاجة به حينئذ عن السؤال عن أشياء إن أبديت ساءته قد عفا الله عنها . وهؤلاء قد يبلغ الحال بأحدهم إلى أن يكره الصلاة [ ص: 187 ] إلا على سجادة ; بل قد جعل الصلاة على غيرها محرما فيمتنع منه امتناعه من المحرم . وهذا فيه مشابهة لأهل الكتاب الذين كانوا لا يصلون إلا في مساجدهم ; فإن الذي لا يصلي إلا على ما يصنع للصلاة من المفارش شبيه بالذي لا يصلي إلا فيما يصنع للصلاة من الأماكن .
وأيضا فقد يجعلون ذلك من شعائر أهل الدين فيعدون ترك ذلك من قلة الدين ومن قلة الاعتناء بأمر الصلاة فيجعلون ما ابتدعوه من الهدي الذي ما أنزل به من سلطان أكمل من هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه . وربما تظاهر أحدهم بوضع السجادة على منكبه وإظهار المسابح في يده وجعله من شعار الدين والصلاة وقد علم بالنقل المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكن هذا شعارهم وكانوا يسبحون ويعقدون على أصابعهم كما جاء في الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68891اعقدن بالأصابع فإنهن مسئولات مستنطقات } وربما عقد أحدهم التسبيح بحصى أو نوى . والتسبيح بالمسابح من الناس من كرهه ومنهم من رخص فيه لكن لم يقل أحد : أن التسبيح به أفضل من التسبيح بالأصابع وغيرها وإذا كان هذا مستحبا يظهر فقصد إظهار ذلك والتميز به على الناس مذموم ; فإنه إن لم يكن رياء فهو تشبه بأهل الرياء إذ كثير ممن يصنع هذا يظهر منه الرياء ولو كان رياء بأمر مشروع لكانت إحدى المصيبتين ; لكنه رياء ليس [ ص: 188 ] مشروعا . وقد قال تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } . قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل ابن عياض رضي الله عنه أخلصه وأصوبه . قالوا : يا أبا علي ما أخلصه ؟ وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص أن يكون لله . والصواب أن يكون على السنة .
وأما ما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها قبل ذهابهم إلى المسجد فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين ; بل محرم . وهل تصح صلاته على ذلك المفروش ؟ فيه قولان للعلماء ; لأنه غصب بقعة في المسجد بفرش ذلك المفروش فيها ومنع غيره من المصلين الذين يسبقونه إلى المسجد أن يصلي في ذلك المكان ومن صلى في بقعة من المسجد مع منع غيره أن يصلي فيها : فهل هو كالصلاة في الأرض المغصوبة ؟ على وجهين . وفي الصلاة في الأرض [ ص: 190 ] المغصوبة قولان للعلماء وهذا مستند من كره الصلاة في المقاصير التي يمنع الصلاة فيها عموم الناس .
ثم إذا فرش هذا فهل لمن سبق إلى المسجد أن يرفع ذلك ويصلي موضعه ؟ فيه قولان : [ ص: 191 ] أحدهما : ليس له ذلك لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه .
والثاني : وهو الصحيح أن لغيره رفعه والصلاة مكانه ; لأن هذا السابق يستحق الصلاة في ذلك الصف المقدم وهو مأمور بذلك أيضا وهو لا يتمكن من فعل هذا المأمور واستيفاء هذا الحق إلا برفع ذلك المفروش . وما لا يتم المأمور إلا به فهو مأمور به .