وسئل عن رجل إذا صلى يشوش على الصفوف الذي حواليه بالجهر بالنية وأنكروا عليه مرة ولم يرجع وقال له إنسان : هذا الذي تفعله ما هو [ ص: 236 ] من دين الله وأنت مخالف فيه السنة . فقال : هذا دين الله الذي بعث به رسله ويجب على كل مسلم أن يفعل هذا وكذلك تلاوة القرآن يجهر بها خلف الإمام . فهل هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أو أحد من الصحابة ؟ أو أحد من الأئمة الأربعة ؟ أو من علماء المسلمين فإذا كان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء يعملون هذا في الصلاة فماذا يجب على من ينسب هذا إليهم وهو يعمله ؟ فهل يحل للمسلم أن يعينه بكلمة واحدة إذا عمل هذا ونسبه إلى أنه من الدين ويقول للمنكرين عليه كل يعمل في دينه ما يشتهي ؟ وإنكاركم علي جهل وهل هم مصيبون في ذلك أم لا ؟ .
فأجاب : الحمد لله الجهر بلفظ النية ليس مشروعا عند أحد من علماء المسلمين ولا فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فعله أحد من خلفائه وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها ومن ادعى أن ذلك دين الله وأنه واجب فإنه يجب تعريفه الشريعة واستتابته من هذا القول فإن أصر على ذلك قتل بل النية الواجبة في العبادات كالوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك محلها القلب باتفاق أئمة المسلمين .
ولم ينقل مسلم لا عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولا عن أحد من الصحابة أنه قد تلفظ قبل التكبير بلفظ النية لا سرا ولا جهرا ولا أنه أمر بذلك . ومن المعلوم أن الهمم والدواعي متوفرة على نقل [ ص: 238 ] ذلك لو كان ذلك وأنه يمتنع على أهل التواتر عادة وشرعا كتمان نقل ذلك فإذا لم ينقله أحد علم قطعا أنه لم يكن .
قالوا : لو أنه كان مستحبا لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لأمر به ; فإنه صلى الله عليه وسلم قد بين كل ما يقرب إلى الله لا سيما الصلاة التي لا تؤخذ صفتها إلا عنه وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=20870صلوا كما رأيتموني أصلي } .
قال هؤلاء فزيادة هذا وأمثاله في صفة الصلاة بمنزلة سائر الزيادات المحدثة في العبادات كمن زاد في العيدين الأذان والإقامة ومن زاد في السعي صلاة ركعتين على المروة وأمثال ذلك .
قالوا : وأيضا فإن التلفظ بالنية فاسد في العقل ; فإن قول القائل أنوي أن أفعل كذا وكذا بمنزلة قوله أنوي آكل هذا الطعام [ ص: 239 ] لأشبع وأنوي ألبس هذا الثوب لأستتر وأمثال ذلك من النيات الموجودة في القلب التي يستقبح النطق بها وقد قال الله تعالى : { أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } .
وقال طائفة من السلف في قوله : { إنما نطعمكم لوجه الله } قالوا : لم يقولوا بألسنتهم وإنما علمه الله من قلوبهم فأخبر به عنهم .
وبالجملة : فلا بد من النية في القلب بلا نزاع . وأما التلفظ بها سرا فهل يكره أو يستحب ؟ فيه نزاع بين المتأخرين .
وأما الجهر بها فهو مكروه منهي عنه غير مشروع باتفاق المسلمين وكذلك تكريرها أشد وأشد .
ومن نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الباطل خطأ فإنه يعرف فإن لم ينته عوقب ولا يحل لأحد أن يتكلم في الدين بلا علم ولا يعين من تكلم في الدين بلا علم أو أدخل في الدين ما ليس منه .