فأجاب : الحمد لله . اتفق المسلمون على أنها من القرآن في قوله : { إنه من سليمان وإنه } وتنازعوا فيها في أوائل السور حيث كتبت على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها ليست من القرآن وإنما كتبت تبركا بها وهذا مذهب مالك وطائفة من الحنفية ويحكى هذا رواية عن أحمد ولا يصح عنه وإن كان قولا في مذهبه .
والثاني : أنها من كل سورة إما آية وإما بعض آية وهذا مذهب الشافعي - رضي الله عنه .
والثالث : أنها من القرآن حيث كتبت آية من كتاب الله من أول كل سورة وليست من السورة . وهذا مذهب ابن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد [ ص: 439 ] ابن حنبل - رضي الله عنه - وغيرهما . وذكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة عنده . وهذا أعدل الأقوال .
ومثله { nindex.php?page=hadith&LINKID=599009حديث ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم } رواه أبو داود فيه أنها نزلت للفصل وليس فيه أنها آية منها وتبارك الذي بيده الملك ثلاثون آية بدون البسملة ; ولأن العادين لآيات القرآن لم يعد أحد منهم البسملة من السورة لكن هؤلاء تنازعوا في الفاتحة : هل هي آية منها دون غيرها ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد : [ ص: 440 ] أحدهما : أنها من الفاتحة دون غيرها وهذا مذهب طائفة من أهل الحديث أظنه قول nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد واحتج هؤلاء بالآثار التي رويت في أن البسملة من الفاتحة وعلى قول هؤلاء تجب قراءتها في الصلاة وهؤلاء يوجبون قراءتها وإن لم يجهروا بها .
وقد روي ذكرها في حديث موضوع رواه عبد الله بن زياد بن سمعان فذكره مثل الثعلبي في تفسيره ومثل من جمع أحاديث الجهر وأنها كلها ضعيفة أو موضوعة . ولو كانت منها لما كان للرب [ ص: 441 ] ثلاث آيات ونصف وللعبد ثلاث ونصف . وظاهر الحديث أن القسمة وقعت على الآيات فإنه قال : " فهؤلاء لعبدي " . وهؤلاء إشارة إلى جمع فعلم أن من قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } إلى آخرها ثلاث آيات على قول من لا يعد البسملة آية منها ومن عدها آية منها جعل هذا آيتين .
وأيضا فإن الفاتحة سورة من سور القرآن والبسملة مكتوبة في أولها فلا فرق بينها وبين غيرها من السور في مثل ذلك وهذا من أظهر وجوه الاعتبار .
وأيضا فلو كانت منها لتليت في الصلاة جهرا كما تتلى سائر آيات السورة وهذا مذهب من يرى الجهر بها كالشافعي وطائفة من المكيين والبصريين ; فإنهم قالوا : إنها آية من الفاتحة يجهر بها : كسائر آيات الفاتحة واعتمد على آثار منقولة بعضها عن الصحابة وبعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم . فأما المأثور من الصحابة : كابن الزبير ونحوه ففيه صحيح وفيه ضعيف . وأما المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضعيف أو موضوع كما ذكر ذلك حفاظ الحديث كالدارقطني وغيره .
ولهذا لم يرو أهل السنن والمسانيد المعروفة عن النبي [ ص: 442 ] صلى الله عليه وسلم في الجهر بها حديثا واحدا ; وإنما يروي أمثال هذه الأحاديث من لا يميز من أهل التفسير : كالثعلبي ونحوه وكبعض من صنف في هذا الباب من أهل الحديث كما يذكره طائفة من الفقهاء في كتب الفقه وقد حكى القول بالجهر عن أحمد وغيره بناء على إحدى الروايتين عنه من أنها من الفاتحة فيجهر بها كما يجهر بسائر الفاتحة وليس هذا مذهبه بل يخافت بها عنده .
وإن قال هي من الفاتحة لكن يجهر بها عنده لمصلحة راجحة مثل أن يكون المصلون لا يقرءونها بحال فيجهر بها ليعلمهم أن قراءتها سنة كما جهر ابن عباس بالفاتحة على الجنازة وكما جهر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب بالاستفتاح وكما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أنه قرأ بها ثم قرأ بأم الكتاب وقال : أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه النسائي وهو أجود ما احتجوا به .
وكذلك فسر بعض أصحاب أحمد خلافه أنه كان يجهر بها إذا كان المأمومون ينكرون على من لم يجهر بها وأمثال ذلك فإن الجهر بها والمخافتة سنة فلو جهر بها المخافت صحت صلاته بلا ريب وجمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد والأوزاعي لا يرون الجهر ; لكن منهم من يقرؤها سرا : كأبي حنيفة وأحمد وغيرهما ومنهم من لا يقرؤها سرا ولا جهرا كمالك .