وسئل عن هذا الذي يفعله الناس بعد كل صلاة من الدعاء : هل هو مكروه ؟ وهل ورد عن أحد من السلف فعل ذلك ؟ ويتركون أيضا الذكر الذي صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله ويشتغلون بالدعاء ؟ فهل [ الأفضل ] الاشتغال بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أو هذا الدعاء ؟ وهل صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه ويمسح وجهه أم لا ؟ .
والمأثور ستة أنواع : [ ص: 516 ] أحدها : أنه يقول : هذه الكلمات عشرا عشرا عشرا : فالمجموع ثلاثون .
والثاني : أن يقول كل واحدة إحدى عشر فالمجموع ثلاث وثلاثون . والثالث : أن يقول كل واحدة ثلاثا وثلاثين فالمجموع تسع وتسعون .
والرابع : أن يختم ذلك بالتوحيد التام فالمجموع مائة .
والسادس : أن يقول كل واحد من الكلمات الأربع خمسا وعشرين فالمجموع مائة .
وأما قراءة آية الكرسي فقد رويت بإسناد لا يمكن أن يثبت به سنة .
وأما دعاء الإمام والمأمومين جميعا عقيب الصلاة فلم ينقل هذا أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن نقل عنه أنه أمر معاذا أن يقول دبر كل صلاة : { nindex.php?page=hadith&LINKID=14817اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك } ونحو ذلك . ولفظ دبر الصلاة قد يراد به آخر جزء من الصلاة . كما يراد بدبر الشيء مؤخره وقد يراد به ما بعد انقضائها كما في قوله تعالى { وأدبار السجود } وقد يراد به مجموع الأمرين وبعض الأحاديث [ ص: 517 ] يفسر بعضا لمن تتبع ذلك وتدبره . وبالجملة فهنا شيئان : ( أحدهما دعاء المصلي المنفرد كدعاء المصلي صلاة الاستخارة وغيرها من الصلوات ودعاء المصلي وحده إماما كان أو مأموما .
( والثاني دعاء الإمام والمأمومين جميعا فهذا الثاني لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله في أعقاب المكتوبات كما كان يفعل الأذكار المأثورة عنه إذ لو فعل ذلك لنقله عنه أصحابه ثم التابعون ثم العلماء كما نقلوا ما هو دون ذلك ; ولهذا كان العلماء المتأخرون في هذا الدعاء على أقوال : منهم من يستحب ذلك عقيب الفجر والعصر كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب أبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم ولم يكن معهم في ذلك سنة يحتجون بها وإنما احتجوا بكون هاتين الصلاتين لا صلاة بعدهما .
والمناسبة الاعتبارية فيه ظاهرة فإن المصلي يناجي ربه فما دام في الصلاة لم ينصرف فإنه يناجي ربه فالدعاء حينئذ مناسب لحاله أما إذا انصرف إلى الناس من مناجاة الله لم يكن موطن مناجاة له ودعاء . وإنما هو موطن ذكر له وثناء عليه فالمناجاة والدعاء حين الإقبال والتوجه إليه في الصلاة . أما حال الانصراف من ذلك فالثناء والذكر أولى .
وكما أن من العلماء من استحب عقب الصلاة من الدعاء ما لم ترد به السنة : فمنهم طائفة تقابل هذه لا يستحبون القعود المشروع بعد الصلاة ولا يستعملون الذكر المأثور بل قد يكرهون ذلك وينهون [ ص: 519 ] عنه فهؤلاء مفرطون بالنهي عن المشروع وأولئك مجاوزون الأمر بغير المشروع والدين إنما هو الأمر بالمشروع دون غير المشروع . وأما رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في الدعاء : فقد جاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة وأما مسحه وجهه بيديه فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان لا يقوم بهما حجة والله أعلم .