وسئل عمن يحفظ القرآن : أيما أفضل له تلاوة القرآن مع أمن النسيان ؟ أو التسبيح وما عداه من الاستغفار والأذكار في سائر الأوقات ؟ مع علمه بما ورد في " الباقيات الصالحات " و " التهليل " و " لا حول ولا قوة إلا بالله " و " سيد الاستغفار " " وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم " .
وأيضا فما يكتب فيه القرآن لا يمسه إلا طاهر . وقد حكي إجماع العلماء على أن القراءة أفضل ; لكن طائفة من الشيوخ رجحوا الذكر . ومنهم من زعم أنه أرجح في حق المنتهى المجتهد كما ذكر ذلك أبو حامد في كتبه ومنهم من قال : هو أرجح في حق المبتدئ السالك وهذا أقرب إلى الصواب .
[ ص: 58 ] وتحقيق ذلك يذكر في الأصل الثاني وهو : أن العمل المفضول قد يقترن به ما يصيره أفضل من ذلك وهو نوعان : ( أحدهما ما هو مشروع لجميع الناس .
( والثاني ما يختلف باختلاف أحوال الناس . أما الأول فمثل أن يقترن إما بزمان أو بمكان أو عمل يكون أفضل : مثل ما بعد الفجر والعصر ونحوهما من أوقات النهي عن الصلاة ; فإن القراءة والذكر والدعاء أفضل في هذا الزمان وكذلك الأمكنة التي نهي عن الصلاة فيها : كالحمام وأعطان الإبل والمقبرة فالذكر والدعاء فيها أفضل وكذلك الجنب : الذكر في حقه أفضل والمحدث : القراءة والذكر في حقه أفضل فإذا كره الأفضل في حال حصول مفسدة كان المفضول . هناك أفضل ; بل هو المشروع .
وما بعد التشهد هو حال الدعاء المشروع بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره . والدعاء فيه أفضل ; بل هو المشروع دون القراءة والذكر وكذلك الطواف وبعرفة ومزدلفة وعند رمي الجمار : المشروع هناك هو الذكر والدعاء . وقد تنازع العلماء في القراءة في الطواف هل تكره أم لا تكره ؟ على قولين مشهورين .
( والنوع الثاني أن يكون العبد عاجزا عن العمل الأفضل ; إما عاجزا عن أصله كمن لا يحفظ القرآن ولا يستطيع حفظه كالأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أو عاجزا عن فعله على وجه الكمال مع قدرته على فعل المفضول على وجه الكمال . ومن هنا قال من قال : إن الذكر أفضل من القرآن ; فإن الواحد من هؤلاء قد يخبر عن حاله وأكثر السالكين بل العارفين منهم إنما يخبر أحدهم عما ذاقه ووجده لا يذكر أمرا عاما للخلق ; إذ المعرفة تقتضي أمورا معينة جزئية والعلم يتناول أمرا عاما كليا فالواحد من هؤلاء يجد في الذكر من اجتماع قلبه وقوة إيمانه واندفاع الوسواس عنه ومزيد السكينة والنور والهدى : ما لا يجده في قراءة القرآن ; بل إذا قرأ القرآن لا يفهمه أو لا يحضر قلبه وفهمه ويلعب عليه الوسواس [ ص: 60 ] والفكر كما أن من الناس من يجتمع قلبه في قراءة القرآن وفهمه وتدبره ما لا يجتمع في الصلاة ; بل يكون في الصلاة بخلاف ذلك وليس كل ما كان أفضل يشرع لكل أحد بل كل واحد يشرع له أن يفعل ما هو أفضل له .
فمن الناس من تكون الصدقة أفضل له من الصيام وبالعكس وإن كان جنس الصدقة أفضل . ومن الناس من يكون الحج أفضل له من الجهاد كالنساء وكمن يعجز عن الجهاد وإن كان جنس الجهاد أفضل . قال النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599220الحج جهاد كل ضعيف } ونظائر هذا متعددة .