[ ص: 289 ] ( فصل ) : أجمع المسلمون على
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ذلك حق يجزم به المسلمون ويقطعون به ولا يرتابون وكل ما علمه المسلم وجزم به فهو يقطع به وإن كان الله قادرا على تغييره فالمسلم يقطع بما يراه ويسمعه ويقطع بأن الله قادر على ما يشاء وإذا قال المسلم أنا أقطع بذلك فليس مراده أن الله لا يقدر على تغييره بل من
قال إن الله لا يقدر على مثل إماتة الخلق وإحيائهم من قبورهم وعلى تسيير الجبال وتبديل الأرض غير الأرض فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل .
والذين يكرهون لفظ القطع من أصحاب
أبي عمرو بن مرزوق هم قوم أحدثوا ذلك من عندهم ولم يكن هذا الشيخ ينكر هذا ، ولكن أصل هذا أنهم كانوا يستثنون في الإيمان كما نقل ذلك عن
السلف فيقول أحدهم : أنا مؤمن إن شاء الله ويستثنون في أعمال البر فيقول أحدهم .
صليت إن شاء الله .
ومراد
السلف من ذلك الاستثناء إما لكونه لا يقطع بأنه فعل الواجب كما أمر الله ورسوله فيشك في قبول الله لذلك فاستثنى ذلك أو للشك في العاقبة أو يستثني لأن الأمور جميعها إنما تكون بمشيئة الله كقوله تعالى : {
لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله } مع أن الله علم بأنهم يدخلون لا شك في ذلك أو لئلا يزكي أحدهم نفسه .
وكان أولئك يمتنعون عن القطع في مثل هذه الأمور ثم جاء بعدهم قوم جهال فكرهوا لفظ القطع في كل شيء ورووا في ذلك أحاديث مكذوبة وكل من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو واحد من علماء المسلمين أنه كره لفظ القطع في الأمور المجزوم بها فقد كذب عليه .
وصار الواحد من هؤلاء يظن أنه إذا أقر بهذه الكلمة فقد أقر بأمر عظيم في الدين وهذا جهل وضلال من هؤلاء الجهال لم يسبقهم إلى هذا أحد من طوائف المسلمين ولا كان شيخهم
أبو عمرو بن مرزوق ولا أصحابه في حياته ولا خيار أصحابه بعد موته يمتنعون من هذا اللفظ مطلقا بل إنما فعل هذا طائفة من جهالهم .
كما أن طائفة أخرى زعموا أن من
سب الصحابة لا يقبل الله توبته وإن تاب ورووا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " {
سب أصحابي ذنب لا يغفر } " وهذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شيء من كتب المسلمين المعتمدة وهو مخالف للقرآن لأن الله قال {
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } هذا في حق من لم يتب .
وقال في حق التائبين {
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم } فثبت بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن كل من تاب تاب الله عليه .
ومعلوم أن من
سب الرسول من الكفار المحاربين ، وقال : هو ساحر أو شاعر أو مجنون أو معلم أو مفتر وتاب تاب الله عليه .
وقد كان طائفة يسبون النبي من أهل الحرب ثم أسلموا وحسن إسلامهم وقبل النبي منهم : منهم
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن عم النبي
وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وكان قد ارتد وكان يكذب على النبي ويقول : أنا كنت أعلمه القرآن ثم تاب وأسلم وبايعه النبي على ذلك .
وإذا قيل : سب الصحابة حق لآدمي .
قيل : المستحل لسبهم كالرافضي يعتقد ذلك دينا كما يعتقد الكافر سب النبي دينا .
فإذا تاب وصار يحبهم ويثني عليهم ويدعو لهم محا الله سيئاته بالحسنات .
ومن
ظلم إنسانا فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبل الله توبته .
لكن إن عرف المظلوم مكنه من أخذ حقه وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن
أحمد : أصحهما أنه لا يعلمه أني اغتبتك وقد قيل بل يحسن إليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته .
كما قال
الحسن البصري :
كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته .
فإذا كان الرجل قد
سب الصحابة أو غير الصحابة وتاب فإنه يحسن إليهم بالدعاء لهم والثناء عليهم بقدر
[ ص: 292 ] ما أساء إليهم والحسنات يذهبن السيئات .
كما أن الكافر الذي كان يسب النبي ويقول إنه كذاب إذا تاب وشهد أن
محمدا رسول الله الصادق المصدوق وصار يحبه ويثني عليه ويصلي عليه : كانت حسناته ماحية لسيئاته ، والله تعالى {
يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون } وقد قال تعالى {
حم } {
تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم } {
غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير } وصلى الله على
محمد وصحبه وسلم .