فأجاب : أما إذا أدرك أقل من ركعة فهذا مبني على أنه هل يكون مدركا للجماعة بأقل من ركعة أم لا بد من إدراك ركعة ؟ فمذهب أبي حنيفة : أنه يكون مدركا وطرد قياسه في ذلك حتى قال في الجمعة : يكون مدركا لها بإدراك القعدة فيتمها جمعة . ومذهب مالك : أنه لا يكون مدركا إلا بإدراك ركعة وطرد المسألة في ذلك حتى فيمن أدرك من آخر الوقت ، فإن المواضع التي تذكر فيها هذه المسألة أنواع : أحدها : الجمعة .
والثاني : فضل الجماعة .
[ ص: 256 ] والثالث : إدراك المسافر من صلاة المقيم .
والرابع : إدراك بعض الصلاة قبل خروج الوقت كإدراك بعض الفجر قبل طلوع الشمس .
والخامس : إدراك آخر الوقت كالحائض تطهر والمجنون يفيق والكافر يسلم في آخر الوقت .
والسادس : إدراك ذلك من أول الوقت عند من يقول إن الوجوب بذلك فإن في هذا الأصل السادس نزاعا . وأما مذهب الشافعي وأحمد فقالا في الجمعة بقول مالك لاتفاق الصحابة على ذلك فإنهم قالوا فيمن أدرك من الجمعة ركعة يصلي إليها أخرى ومن أدركهم في التشهد صلى أربعا .
وأما سائر المسائل ففيها نزاع في مذهب الشافعي وأحمد وهما قولان للشافعي وروايتان عن أحمد وكثير من أصحابهما يرجح قول أبي حنيفة .
وأيضا فإن الحكم عندهم ليس متعلقا بإدراك سجدة من السجدتين فعلم أنهم يقولوا بالحديث . فعلى هذا إذا كان المدرك أقل من ركعة وكان بعدها جماعة أخرى فصلى معهم في جماعة صلاة تامة فهذا أفضل فإن هذا يكون مصليا في جماعة ; بخلاف الأول وإن كان المدرك ركعة أو كان أقل من ركعة وقلنا إنه يكون به مدركا للجماعة فهنا قد تعارض إدراكه [ ص: 258 ] لهذه الجماعة وإدراكه للثانية من أولها فإن إدراك الجماعة من أولها أفضل . كما جاء في إدراكها بحدها فإن كانت الجماعتان سواء فالثانية أفضل وإن تميزت الأولى بكمال الفضيلة أو كثرة الجمع أو فضل الإمام أو كونها الراتبة فهي في هذه الجهة أفضل وتلك من جهة إدراكها بحدها أفضل وقد يترجح هذا تارة وهذا تارة . وأما إن قدر أن الثانية أكمل أفعالا وإماما أو جماعة فهنا قد ترجحت من وجه آخر .
ومثل هذه المسألة لم تكن تعرف في السلف إلا إذا كان مدركا لمسجد آخر فإنه لم يكن يصلي في المسجد الواحد إمامان راتبان وكانت الجماعة تتوفر مع الإمام الراتب ولا ريب أن صلاته مع الإمام الراتب في المسجد جماعة ولو ركعة خير من صلاته في بيته ولو كان جماعة والله أعلم .