[ ص: 293 ] سئل شيخ الإسلام - قدس الله روحه - هل يجوز الخوض فيما تكلم الناس فيه من مسائل في أصول الدين لم ينقل عن سيدنا محمد فيها كلام أم لا ؟ فإن قيل بالجواز : فما وجهه ؟ وقد فهمنا منه عليه السلام النهي عن الكلام في بعض المسائل .
وإذا قيل بالجواز : فهل يجب ذلك ؟ وهل نقل عنه عليه السلام ما يقتضي وجوبه ؟ وهل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو لا بد من الوصول إلى القطع ؟ وإذا تعذر عليه الوصول إلى القطع فهل يعذر في ذلك أو يكون مكلفا به ؟ وهل ذلك من باب تكليف ما لا يطاق والحالة هذه أم لا ؟ وإذا قيل بالوجوب : فما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع في المهالك - وقد كان عليه السلام حريصا على هدي أمته ؟ والله أعلم .
فإن المسائل التي هي من أصول الدين - التي تستحق أن تسمى أصول الدين - أعني الدين الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتابه : لا يجوز أن يقال : لم ينقل عن النبي فيها كلام ; بل هذا كلام متناقض في نفسه إذ كونها من أصول الدين يوجب أن تكون من أهم أمور الدين ; وأنها مما يحتاج إليه الدين ، ثم نفي نقل الكلام فيها عن الرسول يوجب أحد أمرين .
إما أن الرسول أهمل الأمور المهمة التي يحتاج الدين إليها فلم يبينها ، أو أنه بينها فلم تنقلها الأمة ، وكلا هذين باطل قطعا .
وهو من أعظم مطاعن المنافقين في الدين ; وإنما يظن هذا وأمثاله من هو جاهل بحقائق ما جاء به الرسول أو جاهل بما يعقله الناس بقلوبهم أو جاهل بهما جميعا .
فإن جهله بالأول : يوجب عدم علمه بما اشتمل عليه ذلك من أصول الدين وفروعه .
وجهله بالثاني : يوجب أن يدخل في الحقائق المعقولة ما يسميه هو [ ص: 295 ] وأشكاله عقليات ; وإنما هي جهليات .
وجهله بالأمرين : يوجب أن يظن من أصول الدين ما ليس منها من المسائل والوسائل الباطلة وأن يظن عدم بيان الرسول لما ينبغي أن يعتقد في ذلك كما هو الواقع لطوائف من أصناف الناس حذاقهم فضلا عن عامتهم .
وذلك أن أصول الدين إما أن تكون مسائل يجب اعتقادها قولا أو قولا وعملا كمسائل التوحيد والصفات والقدر والنبوة والمعاد .
أو دلائل هذه المسائل .
( أما القسم الأول فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا قاطعا للعذر .
إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين ، وبينه للناس وهو من أعظم ما أقام الله به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه .
وكتاب الله الذي نقل الصحابة ثم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه ، والحكمة التي هي سنة رسول الله التي نقلوها أيضا عن الرسول مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب .
وإنما يظن عدم اشتمال الكتاب والحكمة على بيان ذلك من كان ناقصا في عقله وسمعه ومن له نصيب من قول أهل النار الذين قالوا : { لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } وإن كان ذلك كثيرا في كثير من المتفلسفة والمتكلمة وجهال أهل الحديث والمتفقهة والمتصوفة .
فدلالته موقوفة على العلم بصدق المخبر ويجعلون ما يبنى عليه صدق المخبر معقولات محضة .
فقد غلطوا في ذلك غلطا عظيما ; بل ضلوا ضلالا مبينا في ظنهم : أن دلالة الكتاب والسنة إنما هي بطريق الخبر المجرد ; بل الأمر ما عليه سلف الأمة وأئمتها - أهل العلم والإيمان - من أن الله سبحانه وتعالى بين من الأدلة العقلية التي يحتاج إليها في العلم بذلك ما لا يقدر أحد من هؤلاء قدره .
ونهاية ما يذكرونه جاء القرآن بخلاصته على أحسن وجه وذلك كالأمثال المضروبة التي يذكرها الله تعالى في كتابه التي قال فيها { ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل } فإن الأمثال المضروبة هي " الأقيسة العقلية " سواء كانت قياس شمول أو قياس تمثيل .
ويدخل في ذلك ما يسمونه براهين وهو [ ص: 297 ] القياس الشمولي المؤلف من المقدمات اليقينية وإن كان لفظ البرهان في اللغة أعم من ذلك كما سمى الله آيتي موسى برهانين .
ومما يوضح هذا أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيل يستوي فيه الأصل والفرع ولا بقياس شمولي تستوي أفراده ; فإن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء فلا يجوز أن يمثل بغيره ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية تستوي أفرادها - ولهذا لما سلك طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلى يقين بل تناقضت أدلتهم وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب ; لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافئها .
ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى سواء كان تمثيلا أو شمولا كما قال تعالى : { ولله المثل الأعلى } مثل أن نعلم أن كل كمال ثبت للممكن أو المحدث لا نقص فيه بوجه من الوجوه : وهو ما كان كمالا للموجود غير مستلزم للعدم فالواجب القديم أولى به .
وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق - المربوب المعلول المدبر فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره - فهو أحق به منه .
وأن كل نقص وعيب في نفسه - وهو ما تضمن سلب هذا الكمال إذا وجب نفيه عن شيء ما من أنواع المخلوقات والمحدثات والممكنات - فإنه يجب نفيه عن الرب تبارك وتعالى بطريق الأولى .
وأنه أحق بالأمور الوجودية من كل موجود وأما الأمور العدمية فالممكن بها أحق ونحو ذلك .
[ ص: 298 ] ومثل هذه الطرق هي التي كان يستعملها السلف والأئمة في مثل هذه المطالب كما استعمل نحوها الإمام أحمد .
ومن قبله وبعده من أئمة أهل الإسلام وبمثل ذلك جاء القرآن في تقرير " أصول الدين " من مسائل التوحيد والصفات والمعاد ونحو ذلك .
ومثال ذلك أنه سبحانه لما أخبر بالمعاد ; والعلم به تابع للعلم بإمكانه فإن الممتنع لا يجوز أن يكون بين سبحانه إمكانه أتم بيان ; ولم يسلك في ذلك ما يسلكه " طوائف من أهل الكلام " حيث يثبتون الإمكان الخارجي بمجرد الإمكان الذهني فيقولون : هذا ممكن لأنه لو قدر وجوده لم يلزم من تقدير وجوده محال فإن الشأن في هذه المقدمة فمن أين يعلم أنه لا يلزم من تقدير وجوده محال .
والمحال هنا أعم من المحال لذاته أو لغيره والإمكان الذهني حقيقته عدم العلم بالامتناع .
وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجي ; بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم الامتناع .
ولا معلوم الإمكان الخارجي وهذا هو الإمكان الذهني .
فالله سبحانه وتعالى لم يكتف في بيان إمكان المعاد بهذا .
إذ يمكن أن يكون الشيء ممتنعا ولو لغيره وإن لم يعلم الذهن امتناعه ; بخلاف الإمكان الخارجي .
فإنه إذا علم بطل أن يكون ممتنعا .
والإنسان يعلم الإمكان الخارجي : تارة بعلمه بوجود الشيء وتارة بعلمه بوجود نظيره وتارة بعلمه بوجود ما هو أبلغ منه فإن وجود الشيء دليل على أن ما هو دونه أولى بالإمكان منه .
[ ص: 299 ] ثم إنه إذا بين كون الشيء ممكنا فلا بد من بيان قدرة الرب عليه وإلا فمجرد العلم بإمكانه لا يكفي في إمكان وقوعه إن لم تعلم قدرة الرب على ذلك .
وقوله { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس } فإنه من المعلوم ببداهة العقول أن خلق السموات والأرض أعظم من خلق أمثال بني آدم والقدرة عليه أبلغ - وأن هذا الأيسر أولى بالإمكان والقدرة من ذلك .
فإن كونها رميما يمنع عنده إحياءها لمصيرها إلى حال اليبس والبرودة : المنافية للحياة التي مبناها على الحرارة والرطوبة ولتفرق أجزائها واختلاطها بغيرها ولنحو ذلك من الشبهات .
والتقدير هذه العظام رميم ولا أحد يحيي العظام وهي رميم فلا أحد يحييها ولكن هذه السالبة كاذبة ومضمونها امتناع الإحياء .
وبين سبحانه إمكانه من وجوه ببيان إمكان ما هو أبعد من ذلك وقدرته عليه فقال { يحييها الذي أنشأها أول مرة } وقد أنشأها من التراب ثم قال : { وهو بكل خلق عليم } ليبين علمه بما تفرق من الأجزاء واستحال .
ثم قال : { الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا } فبين أنه أخرج النار الحارة اليابسة من البارد الرطب وذلك أبلغ في المنافاة لأن اجتماع الحرارة والرطوبة أيسر من اجتماع الحرارة واليبوسة ; فالرطوبة تقبل من الانفعال ما لا تقبله اليبوسة .
[ ص: 301 ] وفي هذا الموضع وغيره من القرآن من الأسرار وبيان الأدلة القطعية على المطالب الدينية ما ليس هذا موضعه وإنما الغرض التنبيه .
وكذلك ما استعمله سبحانه في تنزيهه وتقديسه عما أضافوه إليه من الولادة سواء سموها حسية أو عقلية كما تزعمه النصارى من تولد الكلمة - التي جعلوها جوهر الابن - منه وكما تزعمه الفلاسفة الصابئون من تولد العقول العشرة والنفوس الفلكية التسعة : التي هم مضطربون فيها هل هي جواهر أو أعراض ؟ وقد يجعلون العقول بمنزلة الذكور ، والنفوس بمنزلة الإناث ويجعلون ذلك آباءهم وأمهاتهم وآلهتهم وأربابهم القريبة ، وعلمهم بالنفوس أظهر لوجود الحركة الدورية الدالة على الحركة الإرادية الدالة على النفس المحركة لكن أكثرهم يجعلون النفس الفلكية عرضا لا جوهرا قائما بنفسه وذلك شبيه بقول مشركي العرب وغيرهم : الذين جعلوا له بنين وبنات .
فبين سبحانه أن الرب الخالق أولى بأن ينزه عن الأمور الناقصة منكم فكيف تجعلون له ما تكرهون أن يكون لكم وتستخفون من إضافته إليكم مع أنه واقع لا محالة ولا تنزهونه عن ذلك وتنفونه عنه وهو أحق بنفي المكروهات المنقصات منكم .
فبين سبحانه أن المخلوق لا يكون مملوكه شريكه فيما له حتى يخاف مملوكه كما يخاف نظيره [ ص: 303 ] بل تمتنعون أن يكون المملوك لكم نظيرا فكيف ترضون لي أن تجعلوا ما هو مخلوقي ومملوكي شريكا لي : يدعى ويعبد - كما أدعى وأعبد - كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك - وهذا باب واسع عظيم جدا ليس هذا موضعه .
وإنما الغرض التنبيه على أن في القرآن والحكمة النبوية عامة أصول الدين من المسائل والدلائل : التي تستحق أن تكون أصول الدين .
وأما ما يدخله بعض الناس في هذا المسمى من الباطل فليس ذلك من أصول الدين ; وإن أدخله فيه مثل " المسائل " والدلائل " الفاسدة : مثل نفي الصفات والقدر ونحو ذلك من المسائل .
ومثل " الاستدلال " على حدوث العالم بحدوث " الأعراض " التي هي صفات الأجسام القائمة بها : إما الأكوان وإما غيرها وتقرير المقدمات التي يحتاج إليها هذا الدليل : من إثبات " الأعراض " التي هي الصفات أولا أو إثبات " بعضها " كالأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق " وإثبات حدوثها " ثانيا بإبطال ظهورها بعد الكمون ، وإبطال انتقالها من محل إلى محل - ثم إثبات " امتناع خلو الجسم " ثالثا ; إما عن كل جنس من أجناس الأعراض : بإثبات أن الجسم قابل لها وأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده ; وإما عن الأكوان - وإثبات " امتناع حوادث لا أول لها " رابعا وهو مبني على مقدمتين : [ ص: 304 ] ( إحداهما : أن الجسم لا يخلو عن " الأعراض " التي هي الصفات ( والثانية أن ما لا يخلو عن " الصفات " التي هي الأعراض فهو محدث لأن الصفات التي هي الأعراض لا تكون إلا محدثة وقد يفرضون ذلك في بعض الصفات التي هي الأعراض كالأكوان وما لا يخلو عن جنس الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا تتناهى .
فهذه الطريقة مما يعلم بالاضطرار أن محمدا لم يدع الناس بها إلى الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه ولهذا قد اعترف حذاق " أهل الكلام " كالأشعري وغيره بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم ولا سلف الأمة وأئمتها وذكروا أنها محرمة عندهم .
بل المحققون على أنها طريقة باطلة وأن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعي بها مطلقا .
ولهذا تجد من اعتمد عليها في أصول دينه فأحد الأمرين له لازم ; إما أن يطلع على ضعفها ، ويقابل بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم فتتكافأ عنده الأدلة أو يرجح هذا تارة وهذا تارة .
كما هو حال طوائف منهم .
وإما أن يلتزم لأجلها لوازم معلومة الفساد في الشرع والعقل .
كما التزم جهم لأجلها فناء الجنة والنار والتزم nindex.php?page=showalam&ids=11922أبو الهذيل لأجلها انقطاع حركات أهل الجنة .
والتزم قوم لأجلها - كالأشعري وغيره - أن الماء والهواء والنار له طعم ولون وريح ونحو ذلك .
والتزم قوم لأجلها وأجل غيرها : أن جميع " الأعراض " كالطعم واللون وغيرهما لا يجوز بقاؤها بحال لأنهم احتاجوا إلى جواب النقض [ ص: 305 ] الوارد عليهم لما أثبتوا الصفات لله مع الاستدلال على حدوث الأجسام بصفاتها .
فقالوا : صفات " الأجسام " أعراض أي أنها تعرض وتزول فلا تبقى بحال بخلاف صفات الله فإنها باقية .
وأما جمهور عقلاء بني آدم فقالوا : هذه مخالفة للمعلوم بالحس .
والتزم طوائف من أهل الكلام من المعتزلة وغيرهم لأجلها نفي صفات الرب مطلقا أو نفي بعضها لأن الدال عندهم على حدوث هذه الأشياء هو قيام الصفات بها والدليل يجب طرده .
والتزموا حدوث كل موصوف بصفة قائمة به وهو أيضا في غاية الفساد والضلال .
إلى أمثال ذلك من اللوازم التي التزمها من طرد مقدمات هذه الحجة التي جعلها المعتزلة ومن اتبعهم أصل دينهم فهذه داخلة فيما سماه هؤلاء أصول الدين ولكن ليست في الحقيقة من أصول الدين الذي شرعه الله لعباده .
وإذا عرف أن مسمى أصول الدين في عرف الناطقين بهذا الاسم فيه إجمال وإبهام - لما فيه من الاشتراك بحسب الأوضاع والاصطلاحات - تبين أن الذي هو عند الله ورسوله وعباده المؤمنين أصول الدين فهو موروث عن [ ص: 306 ] الرسول .
وأما من شرع دينا لم يأذن به الله فمعلوم أن أصوله المستلزمة له لا يجوز أن تكون منقولة عن النبي إذ هو باطل وملزوم الباطل باطل كما أن لازم الحق حق .
وهذا التقسيم ينبه أيضا على مراد السلف والأئمة بذم الكلام وأهله : إذ ذلك يتناول لمن استدل بالأدلة الفاسدة أو استدل على المقالات الباطلة .
فأما من قال الحق الذي أذن الله فيه حكما ودليلا فهو من أهل العلم والإيمان .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
وأما مخاطبة أهل اصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه - إذا احتيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة - كمخاطبة العجم : من الروم والفرس والترك بلغتهم وعرفهم فإن هذا جائز حسن للحاجة .
وإنما كرهه الأئمة إذا لم يحتج إليه ولهذا قال النبي nindex.php?page=showalam&ids=11696لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص - وكانت صغيرة ولدت بأرض الحبشة لأن أباها كان من المهاجرين إليها فقال لها - { nindex.php?page=hadith&LINKID=68483يا أم خالد هذا سنا } والسنا بلسان الحبشة الحسن ; لأنها كانت من أهل هذه اللغة .
وكذلك يترجم القرآن والحديث لمن يحتاج إلى تفهيمه إياه بالترجمة وكذلك يقرأ المسلم ما يحتاج إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم .
ويترجمها بالعربية .
كما أمر النبي زيد بن ثابت أن يتعلم كتاب اليهود ليقرأ له ويكتب له ذلك حيث لم يأمن من اليهود عليه .
[ ص: 307 ] فالسلف والأئمة لم يكرهوا الكلام لمجرد ما فيه من الاصطلاحات المولدة كلفظ " الجوهر " و " العرض " و " الجسم " وغير ذلك ; بل لأن المعاني التي يعبرون عنها بهذه العبارات فيها من الباطل المذموم في الأدلة والأحكام ما يجب النهي عنه لاشتمال هذه الألفاظ على معان مجملة في النفي والإثبات .
كما قال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في وصفه لأهل البدع فقال : هم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب متفقون على مخالفة الكتاب يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويلبسون على جهال الناس بما يتكلمون به من المتشابه .
فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات ووزنت بالكتاب والسنة : بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة كان ذلك هو الحق ; بخلاف ما سلكه أهل الأهواء من التكلم بهذه الألفاظ : نفيا وإثباتا : في الوسائل والمسائل ; من غير بيان التفصيل والتقسيم الذي هو الصراط المستقيم .
وهذا من مثارات الشبهة ، فإنه لا يوجد في كلام النبي ولا أحد من الصحابة والتابعين ولا أحد من الأئمة المتبوعين : أنه علق بمسمى لفظ " الجوهر " " والجسم " " والتحيز " والعرض " ونحو ذلك شيئا من أصول الدين : لا الدلائل ولا المسائل ; والمتكلمون بهذه العبارات يختلف مرادهم بها ، تارة لاختلاف الوضع ، وتارة لاختلافهم في المعنى الذي هو مدلول اللفظ كمن يقول " الجسم " هو المؤلف ثم يتنازعون هل هو الجوهر الواحد بشرط تأليفه ؟ [ ص: 308 ] أو الجوهران فصاعدا ؟ أو الستة ؟ أو الثمانية ؟ أو غير ذلك ؟ ومن يقول هو الذي يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه وأنه مركب من المادة والصورة ، ومن يقول هو الموجود أو الموجود القائم بنفسه ; وأن الموجود لا يكون إلا كذلك .
والسلف والأئمة - الذين ذموا وبدعوا الكلام في الجوهر والجسم والعرض تضمن كلامهم ذم من يدخل المعاني التي يقصدها هؤلاء بهذه الألفاظ في أصول الدين : في دلائله وفي مسائله : نفيا وإثباتا .
ومعرفة معاني هؤلاء بألفاظهم ، ثم اعتبار هذه المعاني بهذه المعاني ليظهر الموافق والمخالف .
وأما قول السائل فإن قيل بالجواز : فما وجهه وقد فهمنا منه عليه السلام النهي عن الكلام في بعض المسائل ؟ فيقال قد تقدم الاستفسار والتفصيل في جواب السؤال وأن ما هو في الحقيقة أصول الدين الذي بعث الله به رسوله [ ص: 309 ] فلا يجوز أن ينهى عنها بحال بخلاف ما سمي أصول الدين وليس هو أصولا في الحقيقة .
لا دلائل ولا مسائل ، أو هو أصول لدين لم يشرعه الله بل شرعه من شرع من الدين ما لم يأذن به الله .
وأما أن يكون الكتاب أو السنة نهى عن معرفة المسائل التي يدخل فيما يستحق أن يكون من أصول دين الله فهذا لا يكون اللهم إلا أن ننهى عن بعض ذلك في بعض الأحوال مثل مخاطبة شخص بما يعجز عنه فهمه فيضل ، كقول nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود " ما من رجل يحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم " وكقول علي رضي الله عنه " حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله " .
وأما قول السائل إذا قيل بالجواز فهل يجب ؟ وهل نقل عنه عليه السلام ما يقتضي وجوبه .
فيقال : لا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانا عاما مجملا ولا ريب أن معرفة ما جاء به الرسول على التفصيل فرض على الكفاية فإن ذلك داخل في تبليغ ما بعث الله به رسوله ، وداخل في تدبر القرآن وعقله وفهمه وعلم الكتاب والحكمة ، وحفظ الذكر والدعاء إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ونحو ذلك - مما أوجبه الله على المؤمنين - فهو واجب على الكفاية منهم .
وأما ما يجب على أعيانهم فهذا يتنوع بتنوع قدرهم ومعرفتهم وحاجتهم ، وما أمر به أعيانهم فلا يجب على العاجز عن سماع بعض العلم أو عن فهم دقيقه ما يجب على القادر على ذلك ويجب على من سمع النصوص وفهمها من علم التفصيل ما لا يجب على من لم يسمعها ويجب على المفتي والمحدث والمجادل ما لا يجب على من ليس كذلك .
وأما قوله هل يكفي في ذلك ما يصل إليه المجتهد من غلبة الظن أو لا بد [ ص: 313 ] من الوصول إلى القطع ؟ فيقال : الصواب في ذلك التفصيل .
فإنه وإن كان طوائف من أهل الكلام يزعمون أن المسائل الخبرية التي قد يسمونها مسائل الأصول يجب القطع فيها جميعها ولا يجوز الاستدلال فيها بغير دليل يفيد اليقين ، وقد يوجبون القطع فيها كلها على كل أحد ، فهذا الذي قالوه على إطلاقه وعمومه : خطأ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها .
ثم هم مع ذلك من أبعد الناس عما أوجبوه فإنهم كثيرا ما يحتجون فيها بالأدلة التي يزعمونها قطعيات وتكون في الحقيقة من الأغلوطات فضلا عن أن تكون من الظنيات ; حتى إن الشخص الواحد منهم كثيرا ما يقطع بصحة حجة في موضع ويقطع ببطلانها في موضع آخر بل منهم من غاية كلامه كذلك ; وحتى قد يدعي كل من المتناظرين العلم الضروري بنقيض ما ادعاه الآخر .
[ ص: 314 ] فإذا كان كثير مما تنازعت فيه الأمة - من هذه المسائل الدقيقة - قد يكون عند كثير من الناس مشتبها لا يقدر فيه على دليل يفيده اليقين ; لا شرعي ولا غيره لم يجب على مثل هذا في ذلك ما لا يقدر عليه وليس عليه أن يترك ما يقدر عليه من اعتقاد قوي غالب على ظنه لعجزه عن تمام اليقين ; بل ذلك هو الذي يقدر عليه .
لا سيما إذا كان مطابقا للحق .
فالاعتقاد المطابق للحق ينفع صاحبه ويثاب عليه ويسقط به الفرض إذا لم يقدر على أكثر منه .
فذكر سبحانه أنه سيجزي الصادف عن آياته مطلقا - سواء كان مكذبا أو لم يكن - سوء العذاب بما كانوا يصدفون : يبين ذلك أن كل من لم يقر بما جاء به الرسول فهو كافر ، سواء اعتقد كذبه أو استكبر عن الإيمان به أو أعرض عنه اتباعا لما يهواه أو ارتاب فيما جاء به فكل مكذب بما جاء به فهو كافر .
وفي هذه الآيات أنواع من العبر من الدلالة على ضلال من يحاكم إلى غير الكتاب والسنة وعلى نفاقه وإن زعم أنه يريد التوفيق بين الأدلة الشرعية وبين ما يسميه هو " عقليات " من الأمور المأخوذة عن بعض الطواغيت من المشركين وأهل الكتاب وغير ذلك من أنواع الاعتبار .
فمن كان خطؤه لتفريطه فيما يجب عليه من اتباع القرآن والإيمان مثلا أو لتعديه حدود الله بسلوك السبل التي نهى عنها أو لاتباع هواه بغير هدى من الله : فهو الظالم لنفسه وهو من أهل الوعيد ; بخلاف المجتهد في طاعة الله ورسوله باطنا وظاهرا الذي يطلب الحق باجتهاده كما أمره الله ورسوله ; فهذا مغفور له خطؤه .
فإما أن يكون أمر اتفق أهل العلم والإيمان على أنه لا يطاق وتنازعوا في وقوع الأمر به ; فليس كذلك .
( فالنوع الأول ) كتنازع المتكلمين من مثبتة القدر ونفاته في " استطاعة العبد " وهي قدرته وطاقته .
هل يجب أن تكون مع الفعل لا قبله أو يجب أن تكون متقدمة على الفعل أو يجب أن تكون معه وإن كانت متقدمة عليه .
؟ فمن قال بالأول لزمه أن يكون كل عبد لم يفعل ما أمر به قد كلف ما لا يطيقه [ ص: 319 ] إذا لم يكن عنده قدرة إلا مع الفعل .
ولهذا كان الصواب الذي عليه محققو المتكلمين وأهل الفقه والحديث والتصوف وغيرهم ما دل عليه القرآن وهو أن " الاستطاعة " التي هي مناط الأمر والنهي وهي المصححة للفعل لا يجب أن تقارن الفعل .
وأما " الاستطاعة " التي يجب معها وجود الفعل فهي مقارنة له .
قوله تعالى { وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا } { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا } على قول من يفسر الاستطاعة بهذه وأما على تفسير السلف والجمهور فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم ، فنفوسهم لا تستطيع إرادته ; وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه وهذه حال من صده هواه ورأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها : فقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك وهذه " الاستطاعة " هي المقارنة للفعل الموجبة له .
وكذلك أيضا تنازعهم في " المأمور به " الذي علم الله أنه لا يكون أو أخبر مع ذلك أنه لا يكون ، فمن الناس من يقول إن هذا غير مقدور عليه ، كما أن غالية القدرية يمنعون أن يتقدم علم الله وخبره وكتابه بأنه لا يكون .
وذلك لاتفاق الفريقين على أن خلاف المعلوم لا يكون ممكنا ولا مقدورا عليه ، وقد خالفهم في ذلك جمهور الناس .
وقالوا : هذا منقوض عليهم بقدرة الله تعالى وقالوا إن الله يعلمه على ما هو عليه فيعلمه ممكنا مقدورا للعبد ; غير واقع ولا كائن : لعدم إرادة العبد له أو لبغضه إياه ونحو ذلك لا لعجزه عنه وهذا النزاع يزول بتنويع القدرة عليه كما تقدم فإنه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل وإن كان مقدور " القدرة المصححة للفعل " التي هي مناط الأمر والنهي .
( وأما النوع الثاني فكاتفاقهم على أن العاجز عن الفعل لا يطيقه كما لا يطيق الأعمى والأقطع والزمن نقط المصحف وكتابته والطيران فمثل هذا النوع قد اتفقوا على أنه غير واقع في الشريعة .
[ ص: 321 ] وإنما تنازعوا في جواز الأمر به عقلا حتى نازع بعضهم في " الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين والنقيضين هل يجوز الأمر به من جهة العقل مع أن ذلك لم يرد في الشريعة ؟ ومن غلا فزعم وقوع هذا الضرب في الشريعة - كمن يزعم أن أبا لهب كلف بأن يؤمن بأنه لا يؤمن - فهو مبطل في ذلك عند عامة أهل القبلة من جميع الطوائف .
والمقصود هنا التنبيه على أن النزاع في هذا الأصل يتنوع تارة إلى الفعل المأمور به وتارة إلى جواز الأمر .
ومن هنا شبه من شبه من المتكلمين على الناس حيث جعل القسمين قسما واحدا وادعى تكليف ما لا يطاق مطلقا : لوقوع بعض الأقسام التي لا يجعلها عامة المسلمين من باب ما لا يطاق .
والنزاع فيها لا يتعلق بمسائل الأمر والنهي ; وإنما يتعلق بمسائل القضاء والقدر .
ثم إنه جعل جواز هذا القسم مستلزما لجواز القسم الذي اتفق المسلمون على أنه غير مقدور عليه وقاس أحد النوعين بالآخر .
وذلك من " الأقيسة " التي اتفق المسلمون ; بل وسائر أهل الملل ; بل وسائر العقلاء على بطلانها - فإن من قاس الصحيح المأمور بالأفعال - كقوله إن القدرة مع الفعل أو أن الله [ ص: 322 ] علم أنه لا يفعل - على العاجز الذي لو أراد الفعل لم يقدر عليه فقد جمع بين ما يعلم الفرق بينهما بالاضطرار عقلا ودينا وذلك من مثارات الأهواء بين القدرية وإخوانهم الجبرية وإذا عرف هذا فإطلاق القول بتكليف ما لا يطاق من البدع الحادثة في الإسلام .
كإطلاق القول : بأن الناس مجبورون على أفعالهم وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على إنكار ذلك وذم من يطلقه ; وإن قصد به الرد على " القدرية " الذين لا يقرون بأن الله خالق أفعال العباد ولا بأنه شاء الكائنات .
وقالوا هذا رد بدعة ببدعة ، وقابل الفاسد بالفاسد والباطل بالباطل ; ولولا أن هذا الجواب لا يحتمل البسط لذكرت من نصوص أقوالهم في ذلك ما يبين ردهم لذلك .
وأما إذا فصل مقصود القائل وبين بالعبارة التي لا يشتبه فيها الحق بالباطل : ما هو الحق وميز بين الحق والباطل : كان هذا من الفرقان وخرج المبين حينئذ مما ذم به أمثال هؤلاء الذين وصفتهم الأئمة بأنهم مختلفون في كتاب الله مخالفون لكتاب الله متفقون على ترك كتاب الله وأنهم يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويحرفون الكلم عن مواضعه ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم ، ولهذا كان يدخل عندهم المجبرة في مسمى القدرية المذمومين لخوضهم في القدر بالباطل إذ هذا جماع المعنى الذي ذمت به القدرية ولهذا ترجم الإمام أبو بكر الخلال في " كتاب السنة " فقال : ( الرد على القدرية وقولهم إن الله [ ص: 323 ] أجبر العباد على المعاصي ، ثم روي عن عمرو بن عثمان عن بقية بن الوليد قال : سألت الزبيدي والأوزاعي عن الجبر ; فقال الزبيدي : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل ولكن يقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحب .
وقال الأوزاعي : ما أعرف للجبر أصلا في القرآن ولا في السنة ; فأهاب أن أقول ذلك ; ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل فهذا يعرف في القرآن والحديث عن رسول الله ; وإنما وضعت هذا مخافة أن يرتاب رجل تابعي من أهل الجماعة والتصديق .
فهذان الجوابان اللذان ذكرهما هذان الإمامان في عصر تابعي التابعين من أحسن الأجوبة .
أما " الزبيدي " فمحمد بن الوليد صاحب الزهري فإنه قال : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل فنفى الجبر وذلك لأن الجبر المعروف في اللغة هو إلزام الإنسان بخلاف رضاه ، كما تقول الفقهاء في " باب النكاح " هل تجبر المرأة على النكاح أو لا تجبر ؟ وإذا عضلها الولي ماذا تصنع ؟ فيعنون بجبرها إنكاحها بدون رضاها واختيارها ويعنون بعضلها منعها مما ترضاه وتختاره .
فقال : الله أعظم من أن يجبر أو يعضل ; لأن الله سبحانه قادر على أن يجعل العبد محبا راضيا لما يفعله ومبغضا وكارها لما يتركه .
كما هو الواقع فلا يكون العبد مجبورا على ما يختاره ويرضاه ويريده وهي : " أفعاله [ ص: 324 ] الاختيارية " ولا يكون معضولا عما يتركه فيبغضه ويكرهه ولا يريده وهي " تركه الاختيارية " .
وأما " الأوزاعي " فإنه منع من إطلاق هذا اللفظ وإن عنا به هذا المعنى حيث لم يكن له أصل في الكتاب والسنة : فيفضي إلى إطلاق لفظ مبتدع ظاهر في إرادة الباطل ، وذلك لا يسوغ .
وإن قيل : إنه أريد به معنى صحيح .
قال الخلال : أنبأنا المروذي قال سمعت بعض المشيخة يقول : سمعت nindex.php?page=showalam&ids=16349عبد الرحمن بن مهدي يقول : أنكر سفيان الثوري الجبر ، وقال : الله تعالى جبل العباد .
وجواب الأوزاعي أقوم من جواب الزبيدي ; لأن الزبيدي نفى الجبر ، والأوزاعي منع إطلاقه إذ هذا اللفظ يحتمل معنى صحيحا فنفيه قد يقتضي نفي الحق والباطل كما ذكر الخلال ما ذكره عبد الله بن أحمد في كتاب السنة " فقال : ثنا [ ص: 325 ] nindex.php?page=showalam&ids=16926محمد بن بكار ثنا أبو معشر حدثنا يعلى عن محمد بن كعب أنه قال إنما سمي الجبار لأنه يجبر الخلق على ما أراد .
فإذا امتنع من إطلاق اللفظ المجمل المحتمل المشتبه زال المحذور وكان أحسن من نفيه وإن كان ظاهرا في المحتمل المعنى الفاسد خشية أن يظن أنه ينفي المعنيين جميعا .
وهكذا يقال في نفي الطاقة على المأمور : فإن إثبات الجبر في المحظور نظير سلب الطاقة في المأمور .
وهكذا كان يقول nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة : قال الخلال : أنبأنا الميموني قال سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله - يعني nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل - يناظر خالد بن خداش يعني في القدر - فذكروا رجلا فقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله : إنما أكره من هذا أن يقول أجبر الله .
وقال أنبأنا المروذي قلت nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله رجل يقول إن الله أجبر العباد : فقال هكذا لا تقل .
وأنكر هذا وقال يضل من يشاء ويهدي من يشاء .
وقال أنبأنا المروذي قال كتب إلى عبد الوهاب في أمر حسن بن خلف العكبري وقال إنه تنزه عن ميراث أبيه ; فقال رجل قدري : إن الله لم يجبر العباد على المعاصي فرد عليه أحمد بن رجاء فقال : إن الله جبر العباد على ما أراد ، أراد بذلك إثبات القدر ، فوضع nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي كتابا : يحتج فيه فأدخلته على nindex.php?page=showalam&ids=12251أبي عبد الله فأخبرته بالقصة فقال : ويضع كتابا وأنكر عليهما جميعا : علي ابن رجاء حين قال جبر العباد ، وعلى القدري الذي قال : لم يجبر ، وأنكر على nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي في وضعه الكتاب واحتجاجه ، وأمر بهجرانه لوضعه الكتاب وقال [ ص: 326 ] لي : يجب على ابن رجاء أن يستغفر ربه لما قال " جبر العباد " .
فقلت nindex.php?page=showalam&ids=12251لأبي عبد الله فما الجواب في هذه المسألة ؟ قال يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء .
قال المروذي في هذه المسألة ؟ إنه سمع nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله لما أنكر على الذي قال : " لم يجبر " ، وعلى من رد عليه جبر فقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله : كلما ابتدع رجل بدعة اتسعوا في جوابها ، وقال : يستغفر ربه الذي رد عليهم بمحدثه ، وأنكر على من رد بشيء من جنس الكلام ; إذا لم يكن له فيها إمام مقدم .
قال المروذي فما كان بأسرع من أن قدم nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي من عكبر ومعه مشيخة وكتاب من أهل عكبر فأدخلت nindex.php?page=showalam&ids=12277أحمد بن علي على nindex.php?page=showalam&ids=12251أبي عبد الله .
فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=12251أبا عبد الله هو ذا الكتاب ادفعه إلى أبي بكر حتى يقطعه ، وأنا أقوم على منبر عكبر وأستغفر الله - عز وجل - فقال : nindex.php?page=showalam&ids=12251أبو عبد الله لي : ينبغي أن تقبلوا منه فرجعوا إليه ، وقد بسطنا الكلام في هذا المقام في غير هذا الموضع وتكلمنا على الأصل الفاسد الذي ظنه المتفرقون من أن إثبات المعنى الحق الذي يسمونه جبرا ينافي الأمر والنهي .
حتى جعله القدرية منافيا للأمر والنهي مطلقا .
وجعله طائفة من الجبرية منافيا لحسن الفعل وقبحه وجعلوا ذلك مما اعتمدوه في نفي حسن الفعل وقبحه القائم به المعلوم بالعقل ; ومن المعلوم أنه لا ينافي ذلك .
إلا كما ينافيه بمعنى كون الفعل ملائما للفاعل ونافعا له ; وكونه منافيا للفاعل وضارا له .