فهل يجوز له أكله مع قوله تعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث } وقول النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها } ؟ وإذا وصف له الخمر أو النبيذ : هل يجوز شربه مع هذه النصوص ؟ أم لا ؟ .
وأما قول الأطباء : إنه لا يبرأ من هذا المرض إلا بهذا الدواء المعين . فهذا قول جاهل لا يقوله من يعلم الطب أصلا فضلا عمن يعرف الله ورسوله فإن الشفاء ليس في سبب معين يوجبه في العادة كما للشبع سبب معين يوجبه في العادة إذ من الناس من يشفيه الله بلا دواء ومنهم من يشفيه الله بالأدوية الجثمانية حلالها وحرامها وقد يستعمل فلا يحصل الشفاء لفوات شرط أو لوجود مانع وهذا بخلاف الأكل فإنه سبب للشبع ; ولهذا أباح الله للمضطر الخبائث أن يأكلها عند الاضطرار إليها في المخمصة فإن الجوع يزول بها ولا يزول بغيرها بل يموت أو يمرض من الجوع فلما تعينت طريقا [ ص: 275 ] إلى المقصود أباحها الله بخلاف الأدوية الخبيثة .
بل قد قيل : من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا على مرض في قلبه وذلك في إيمانه فإنه لو كان من أمة محمد المؤمنين لما جعل الله شفاءه فيما حرم عليه ولهذا إذا اضطر إلى الميتة ونحوها وجب عليه الأكل في المشهور من مذاهب الأئمة الأربعة وأما التداوي فلا يجب عند أكثر العلماء بالحلال وتنازعوا : هل الأفضل فعله ؟ أو تركه على طريق التوكل ؟ .
ومما يبين ذلك أن الله لما حرم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها لم يبح ذلك إلا لمن اضطر إليها غير باغ ولا عاد وفي آية أخرى : { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } ومعلوم أن المتداوي غير مضطر إليها فعلم أنها لم تحل له .