[ ص: 314 ] وسئل رحمه الله ما تقول السادة الفقهاء وأئمة الدين - وفقهم الله تعالى لمرضاته - في القراءة للميت هل تصل إليه ؟ أم لا ؟ والأجرة على ذلك وطعام أهل الميت لمن هو مستحق وغير ذلك والقراءة على القبر والصدقة عن الميت أيهما المشروع الذي أمرنا به ؟ والمسجد الذي في وسط القبور والصلاة فيه وما يعلم هل بني قبل القبور ؟ أو القبور قبله ؟ وله ثلاث : رزق وأربعمائة اصددمون قديمة من زمان الروم ما هو له بل للمسجد وفيه الخطبة كل جمعة والصلاة أيضا في بعض الأوقات وله كل سنة موسم يأتي إليه رجال كثير ونساء ويأتون بالنذور معهم فهل يجوز للإمام أن يتناول من ذلك شيئا لمصالح المسجد الذي في البلد ؟ أفتونا يرحمكم الله مأجورين .
والثاني : لا تصل إليه وهو المشهور في مذهب مالك والشافعي .
وأما الاستئجار لنفس القراءة والإهداء فلا يصح ذلك ، فإن العلماء إنما تنازعوا في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن والأذان والإمامة والحج عن الغير ; لأن المستأجر يستوفي المنفعة ، فقيل : يصح لذلك كما هو المشهور من مذهب مالك والشافعي . وقيل : لا يجوز لأن هذه الأعمال يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فإنها إنما تصح من المسلم دون الكافر فلا يجوز إيقاعها إلا على وجه التقرب إلى الله تعالى . وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالاتفاق لأن الله إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه لا ما فعل لأجل عروض الدنيا .
[ ص: 316 ] وقيل يجوز أخذ الأجرة عليها للفقير دون الغني ، وهو القول الثالث في مذهب أحمد كما أذن الله لولي اليتيم أن يأكل مع الفقر ويستغني مع الغنى ، وهذا القول أقوى من غيره على هذا فإذا فعلها الفقير لله وإنما أخذ الأجرة لحاجته إلى ذلك وليستعين بذلك على طاعة الله فالله يأجره على نيته فيكون قد أكل طيبا وعمل صالحا .
وأما إذا كان لا يقرأ القرآن إلا لأجل العروض فلا ثواب لهم على ذلك ، وإذا لم يكن في ذلك ثواب ، فلا يصل إلى الميت شيء ; لأنه إنما يصل إلى الميت ثواب العمل لا نفس العمل ; فإذا تصدق بهذا المال على من يستحقه وصل ذلك إلى الميت وإن قصد بذلك من يستعين على قراءة القرآن وتعليمه كان أفضل وأحسن فإن إعانة المسلمين بأنفسهم وأموالهم على تعلم القرآن وقراءته وتعليمه من أفضل الأعمال .
وأما صنعة أهل الميت طعاما يدعون الناس إليه فهذا غير مشروع وإنما هو بدعة بل قد قال جرير بن عبد الله : كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعتهم الطعام للناس من النياحة .
وقد تنازع الناس في القراءة على القبر فكرهها أبو حنيفة ومالك وأحمد في أكثر الروايات عنه ورخص فيها في الرواية المتأخرة لما بلغه أن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أوصى أن يقرأ عند دفنه بفواتح البقرة وخواتمها .
وقد نقل عن بعض الأنصار أنه أوصى عند قبره بالبقرة وهذا إنما كان عند الدفن فأما بعد ذلك فلم ينقل عنهم شيء من ذلك ولهذا فرق في القول الثالث بين القراءة حين الدفن والقراءة الراتبة بعد الدفن فإن هذا بدعة لا يعرف لها أصل .
وقد اتفق أئمة المسلمين على أن الصلاة في المشاهد ليس مأمورا بها لا أمر إيجاب ولا أمر استحباب . ولا في الصلاة في المشاهد التي على القبور ونحوها فضيلة على سائر البقاع فضلا عن المساجد باتفاق أئمة المسلمين فمن اعتقد أن الصلاة عندها فيها فضل على الصلاة على غيرها أو أنها أفضل من الصلاة في بعض المساجد فقد فارق جماعة المسلمين ومرق من الدين بل الذي عليه الأمة أن الصلاة فيها منهي عنها نهي تحريم وإن كانوا متنازعين في الصلاة في المقبرة : هل هي محرمة ؟ أو مكروهة ؟ أو مباحة ؟ أو يفرق بين المنبوشة والقديمة فذلك لأجل تعليل النهي بالنجاسة لاختلاط التراب بصديد الموتى .
وأما التمسح بالقبر أو الصلاة عنده أو قصده لأجل الدعاء عنده معتقدا أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره أو النذر له ونحو ذلك فليس هذا من دين المسلمين بل هو مما أحدث من البدع القبيحة التي هي من شعب الشرك والله أعلم وأحكم .