وسئل رحمه الله عما ورد في ثواب صيام الثلاثة أشهر وما تقول في الاعتكاف فيها والصمت . هل هو من الأعمال الصالحات ؟ أم لا ؟
فأجاب : أما تخصيص رجب وشعبان جميعا بالصوم أو الاعتكاف فلم يرد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ولا عن أصحابه . ولا أئمة المسلمين بل قد ثبت في الصحيح . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم إلى شعبان ولم يكن يصوم من السنة أكثر مما يصوم من شعبان من أجل شهر رمضان .
ودخل أبو بكر فرأى أهله قد اشتروا كيزانا للماء واستعدوا للصوم فقال : " ما هذا فقالوا : رجب فقال : أتريدون أن تشبهوه برمضان ؟ وكسر تلك الكيزان " . فمتى أفطر بعضا لم يكره صوم البعض .
وفي المسند وغيره : حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بصوم الأشهر الحرم : وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم . فهذا في صوم الأربعة جميعا لا من يخصص رجبا .
وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=37477من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . كذلك لا يؤمر الناذر أن يفعلها فمن فعلها على وجه التعبد بها والتقرب واتخاذ ذلك دينا وطريقا إلى الله تعالى فهو ضال جاهل مخالف لأمر الله ورسوله . ومعلوم أن من يفعل ذلك من نذر اعتكافا ونحو ذلك إنما يفعله تدينا ولا ريب أن فعله على وجه التدين حرام فإنه يعتقد ما ليس بقربة قربة ويتقرب إلى الله تعالى بما لا يحبه الله وهذا حرام لكن من فعل ذلك قبل بلوغ العلم إليه فقد يكون معذورا بجهله إذا لم تقم عليه الحجة فإذا بلغه العلم فعليه التوبة .
وهو صلى الله عليه وسلم لم يصم رمضان إلا تسع مرات فإنه فرض في العام الثاني من الهجرة بعد أن صام يوم عاشوراء وأمر الناس بصيامه مرة واحدة فإنه قدم المدينة في شهر ربيع الأول من السنة الأولى . وقد تقدم عاشوراء فلم يأمر ذلك العام بصيامه فلما أهل العام الثاني أمر الناس بصيامه وهل كان أمر إيجاب أو [ ص: 296 ] استحباب ؟ على قولين لأصحابنا وغيرهم والصحيح أنه كان أمر إيجاب ابتدئ في أثناء النهار لم يؤمروا به من الليل فلما كان في أثناء الحول - رجب أو غيره - فرض شهر رمضان وغزا النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ذلك العام - أول شهر فرض - غزوة بدر وكانت يوم الجمعة لسبع عشرة خلت من الشهر فلما نصره الله على المشركين أقام بالعرصة بعد الفتح ثلاثا فدخل عليه العشر وهو في السفر فرجع إلى المدينة ولم يبق من العشر إلا أقله فلم يعتكف ذلك العشر بالمدينة وكان في تمامه مشغولا بأمر الأسرى والفداء . ولما شاورهم في الفداء قام فدخل بيته ثم خرج .
وأحواله المنقولة عنه تدل على أنه لم يعتكف تمام ذلك العشر لكن يمكن أنه قضى اعتكافه كما قضى صيامه وكما قضى اعتكاف العام الذي أراد نساؤه الاعتكاف معه فيه فهذا عام بدر .
وأيضا فعام الفتح سنة ثمان كان قد سافر في شهر رمضان ودخل مكة في أثناء الشهر وقد بقي منه أقله وهو في مكة مشتغل بآثار الفتح وتسرية السرايا إلى ما حول مكة وتقرير أصول [ ص: 297 ] الإسلام بأم القرى والتجهز لغزو هوازن لما بلغه أنهم قد جمعوا له مع مالك بن عوف النضري . وقد أقام بمكة في غزوة الفتح تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة .