وسئل الشيخ رحمه الله هل الأفضل المجاورة بمكة ؟ أو بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو المسجد الأقصى ؟ أو بثغر من الثغور لأجل الغزو ؟ وفيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599932من زار قبري وجبت له شفاعتي } . و { من زار البيت ولم يزرني فقد جفاني } وهل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب أم لا ؟ أفتونا مأجورين .
[ ص: 26 ] وأما " زيارته " فليست واجبة باتفاق المسلمين ; بل ليس فيها أمر في الكتاب ولا في السنة وإنما الأمر الموجود في الكتاب والسنة بالصلاة عليه والتسليم . فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . وأكثر ما اعتمده العلماء في " الزيارة " قوله في الحديث الذي رواه أبو داود : { nindex.php?page=hadith&LINKID=599937ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام } . وقد كره مالك وغيره أن يقال : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم . وقد كان الصحابة كابن عمر وأنس وغيرهما يسلمون عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه كما في الموطأ أن ابن عمر كان إذا دخل المسجد يقول : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت .
فالجمهور يوجبون الوفاء به في المسجدين الآخرين : كمالك والشافعي وأحمد ; لكون السفر إلى الفاضل لا يغني عن السفر إلى المفضول . وأبو حنيفة إنما يوجب السفر إلى المسجد الحرام ; بناء على أنه إنما يوجب بالنذر ما كان جنسه واجبا بالشرع والجمهور يوجبون الوفاء بكل ما هو طاعة ; لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37477من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . بل قد صرح طائفة من العلماء Multitarajem.php?tid=13371,13372كابن عقيل وغيره بأن المسافر لزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وغيرها لا يقصر الصلاة في هذا السفر ; لأنه معصية لكونه معتقدا أنه طاعة وليس بطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما ليس بطاعة هو معصية ; ولأنه نهى عن ذلك والنهي يقتضي التحريم .
ورخص بعض المتأخرين في السفر لزيارة القبور كما ذكر أبو حامد في " الإحياء " [ ص: 28 ] وأبو الحسن بن عبدوس وأبو محمد المقدسي وقد روى حديثا رواه الطبراني من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=599938من جاءني زائرا لا تنزعه إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة } لكنه من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر العمري وهو مضعف . ولهذا لم يحتج بهذا الحديث أحد من السلف والأئمة . وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين . والله أعلم .
[ ص: 29 ] وقال الشيخ رحمه الله فصل وأما قوله : { nindex.php?page=hadith&LINKID=599939من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي } وأمثال هذا الحديث مما روي في زيارة قبره صلى الله عليه وسلم فليس منها شيء صحيح ولم يرو أحد من أهل الكتب المعتمدة منها شيئا : لا أصحاب الصحيح : كالبخاري ومسلم . ولا أصحاب السنن : كأبي داود والنسائي . ولا الأئمة من أهل المسانيد : nindex.php?page=showalam&ids=12251كالإمام أحمد وأمثاله ولا اعتمد على ذلك أحد من أئمة الفقه : كمالك والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث بن سعد وأمثالهم ; بل عامة هذه الأحاديث مما يعلم أنها كذب موضوعة كقوله : { من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة } وقوله : { من حج ولم يزرني فقد جفاني } فإن هذه الأحاديث ونحوها كذب .
وهذه الأمور ونحوها هي من " الزيارة البدعية " وهي من جنس دين النصارى والمشركين وهو أن يكون قصد الزائر أن يستجاب دعاؤه عند القبر أو أن يدعو الميت ويستغيث به ويطلب منه أو [ ص: 32 ] يقسم به على الله في طلب حاجاته وتفريج كرباته . فهذه كلها من البدع التي لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها أصحابه . وقد نص الأئمة على النهي عن ذلك كما قد بسط في غير هذا الموضع .
والمقصود هنا : أن الصحابة لم يكونوا يستحبون السفر لشيء من زيارات البقاع : لا آثار الأنبياء ولا قبورهم ولا مساجدهم ; إلا المساجد الثلاثة ; بل إذا فعل بعض الناس شيئا من ذلك أنكر عليه غيره كما أنكروا على من زار الطور الذي كلم الله عليه موسى حتى إن " غار حراء " الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه قبل المبعث لم يزره هو بعد المبعث ولا أحد من أصحابه وكذا الدعاء المأثور في القرآن .
وثبت أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان في بعض الأسفار : فرأى قوما يتناوبون مكانا يصلون فيه فقال : ما هذا ؟ قالوا : مكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : ومكان صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أتريدون أن تتخذوا أثر الأنبياء لكم مساجد إنما هلك من كان قبلكم بهذا : من أدركته الصلاة فليصل وإلا فليمض . وهذا لأن الله لم يشرع للمسلمين مكانا يتناوبونه للعبادة إلا المساجد خاصة فما ليس بمسجد لم يشرع قصده [ ص: 34 ] للعبادة وإن كان مكان نبي أو قبر نبي .