[ ص: 194 ] قال شيخ الإسلام : رحمه الله تعالى
الاستدلال بكون الشيء بدعة على كراهيته : ( قاعدة عظيمة عامة وتمامها بالجواب عما يعارضها . فإن من الناس من يقول :
البدع تنقسم إلى قسمين لقول
عمر : نعمت البدعة وبأشياء أحدثت بعده صلى الله عليه وسلم وليست مكروهة : للأدلة من الإجماع والقياس . وربما ضم إلى ذلك من لم يحكم أصول العلم ما عليه كثير من الناس من العادة ; بمنزلة من إذا قيل لهم : {
تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا } . وما أكثر من يحتج به من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم وقد يبدي ذووا العلم له مستندا من الأدلة الشرعية ; والله يعلم أن قوله لها وعمله بها : ليس مستندا إلى ذلك ; وإنما يذكرها دفعا لمن يناظره .
والمجادلة المحمودة : إنما هي إبداء المدارك التي هي مستند الأقوال والأعمال
[ ص: 195 ] وأما إظهار غير ذلك : فنوع من النفاق في العلم والعمل وهذه " قاعدة " دلت عليها السنة والإجماع مع الكتاب قال الله تعالى : {
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }
. فمن
ندب إلى شيء يتقرب به إلى الله أو أوجبه بقوله أو فعله من غير أن يشرعه الله : فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ومن اتبعه في ذلك : فقد اتخذ شريكا لله شرع في الدين ما لم يأذن به الله وقد يغفر له لأجل تأويل إذا كان مجتهدا : الاجتهاد الذي يعفى معه عن المخطئ ; لكن لا يجوز اتباعه في ذلك كما قال تعالى : {
اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله }
. فمن أطاع أحدا في دين لم يأذن الله به : من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب : فقد لحقه من هذا الذم نصيب كما يلحق الآمر الناهي . ثم قد يكون كل منهما معفوا عنه . فيتخلف الذم لفوات شرطه أو وجود مانعه . وإن كان المقتضي له قائما ويلحق الذم من تبين له الحق ; فتركه أو قصر في طلبه فلم يتبين له أو أعرض عن طلبه لهوى أو كسل ونحو ذلك .
وأيضا : فإن الله عاب على المشركين شيئين : - " أحدهما " : أنهم أشركوا به ما لم ينزل به سلطانا .
" الثاني " : تحريمهم ما لم يحرمه الله كما بينه صلى الله عليه وسلم في حديث
[ ص: 196 ] عياض عن
مسلم وقال تعالى : {
سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } فجمعوا بين الشرك والتحريم والشرك يدخل فيه كل عبادة لم يأذن الله بها فإن المشركين يزعمون أن عبادتهم إما واجبة ; وإما مستحبة : ثم منهم من عبد غير الله ليتقرب به إلى الله ومنهم من ابتدع دينا عبد به الله كما أحدثت
النصارى من العبادات . وأصل الضلال في أهل الأرض إنما نشأ من هذين إما
اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم ما لم يحرمه .
ولهذا كان الأصل الذي بنى عليه
أحمد وغيره مذاهبهم . أن الأعمال " عبادات وعادات " ; فالأصل في العبادات لا يشرع منها إلا ما شرعه الله ; والأصل في العادات لا يحظر منها إلا ما حظره الله وهذه المواسم المحدثة إنما نهي عنها لما أحدث فيها من الدين الذي يتقرب به .