فأجاب : لا ريب أنهم مأمورون بأعمال زائدة على التصديق ومنهيون عن أعمال غير التكذيب فهم مأمورون بالأصول والفروع بحسبهم فإنهم ليسوا مماثلي الإنس في الحد والحقيقة فلا يكون ما أمروا به ونهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد لكنهم مشاركون الإنس في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم .
. فبين أن الثقلين جميعا تلت عليهم الرسل آيات الله ولهذا لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة على الصحابة قال " للجن كانوا " الحديث . دعاهم إلى طاعة الله لما فيه من الأمر والنهي ; لا إلى مجرد حديث لا طاعة معه فإن مثل هذا التصديق كان مع إبليس فلم يغن عنه من الله شيئا . والدلائل الدالة على هذا الأصل وما في الحديث والآثار : من كون الجن يحجون ويصلون ويجاهدون وأنهم يعاقبون على الذنب : كثيرة جدا . وقد قال تعالى فيما أخبر عنهم { وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا } قالوا مذاهب شتى مسلمين ويهود ونصارى وشيعة وسنة . فأخبر أن منهم الصالحون ومنهم دون الصالحين فيكون : إما مطيعا في ذلك فيكون مؤمنا وإما عاصيا في ذلك فيكون كافرا ولا ينقسم مؤمن إلى صالح وإلى غير صالح فإن غير الصالح لا يعتقد صلاحه لترك الطاعات فالصالح هو القائم بما وجب عليه ; ودون الصالح لا بد أن يكون عاصيا في بعض ما أمر به وهو قسم غير الكافر فإن الكافر لا يوصف بمثل ذلك وهذا يبين أن فيهم من يترك بعض الواجبات والله أعلم .