ولكن هذا اللفظ لم يحفظه رواته كما حفظ غيره . ولهذا شك أبعد الأربعين ; أو خمس وأربعين ؟ وغيره إنما ذكر أربعين أو اثنين وأربعين . وهو الصواب ; لأن من ذكر اثنين وأربعين ذكر طرفي الزمان ومن قال أربعين حذفهما ومثل هذا كثير في ذكر الأوقات فقدم المؤخر وأخر المقدم . أو يقال : إنه لم يذكر ذلك بحرف ( ثم فلا تقتضي ترتيبا وإنما قصد أن هذه الأشياء تكون بعد الأربعين . وحينئذ فيقال : أحد الأمرين لازم ; إما أن تكون هذه الأمور عقيب الأربعين ثم تكون عقب المائة والعشرين ; ولا محذور في الكتابة مرتين ; ويكون المكتوب ( أولا فيه كتابة الذكر والأنثى . أو يقال : إن ألفاظ هذا الحديث لم تضبط حق الضبط . ولهذا اختلفت رواته في ألفاظه ; ولهذا أعرض البخاري عن روايته وقد يكون أصل الحديث صحيحا ويقع في بعض ألفاظه اضطراب فلا يصلح حينئذ أن يعارض بها ما ثبت في الحديث الصحيح المتفق عليه ; الذي لم تختلف ألفاظه ; بل قد صدقه غيره من الحديث الصحيح ; فقد تلخص الجواب أنما عارض الحديث المتفق عليه : إما أن يكون موافقا له في الحقيقة ; وإما أن يكون [ ص: 242 ] غير محفوظ فلا معارضة ولا ريب أن ألفاظه لم تضبط كما تقدم ذكر الاختلاف فيها ; وأقر بها اللفظ الذي فيه تقدم التصوير على تقدير الأجل والعمل والشقاوة والسعادة وغاية ما يقال فيه إنه يقتضي أنه قد يخلق في الأربعين الثانية قبل دخوله في الأربعين الثالثة وهذا لا يخالف الحديث الصحيح ولا نعلم أنه باطل ; بل قد ذكر النساء : أن الجنين يخلق بعد الأربعين وأن الذكر يخلق قبل الأنثى .
وهذا يقدم على قول من قال من الفقهاء : إن الجنين لا يخلق في أقل من واحد وثمانين يوما فإن هذا إنما بنوه على أن التخليق إنما يكون إذا صار مضغة ولا يكون مضغة إلا بعد الثمانين ; والتخليق ممكن قبل ذلك وقد أخبر به من أخبر من النساء ونفس العلقة يمكن تخليقها . والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
[ ص: 243 ] قال شيخ الإسلام رحمه الله - ردا لقول من قال : كل مولود على ما سبق له في علم الله أنه سائر إليه : - معلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة ; فجميع البهائم هي مولودة على ما سبق في علم الله لها ; وحينئذ فيكون كل مخلوق مخلوقا على الفطرة . وأيضا : فلو كان المراد ذلك لم يكن لقوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=595588فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه } معنى : فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها فلا فرق بين التهويد والتنصير . ثم قال : فتمثيله صلى الله عليه وسلم بالبهيمة التي ولدت جمعاء ; ثم جدعت : يبين أن أبويه غيرا ما ولد عليه . ثم يقال : وقولكم خلقوا خالين من المعرفة والإنكار من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدا منهما ; بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان والكفر وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر فهذا قول فاسد جدا . [ ص: 244 ] فحينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار والتهويد والتنصير والإسلام ; وإنما ذلك بحسب الأسباب فكان ينبغي أن يقال : فأبواه يسلمانه ويهودانه وينصرانه ; فلما ذكر أن أبويه يكفرانه وذكر الملل الفاسدة دون الإسلام : علم أن حكمه في حصول سبب مفصل غير حكم الكفر .
ثم قال : ففي الجملة كل ما كان قابلا للمدح والذم على السواء لا يستحق مدحا ولا ذما والله تعالى يقول : { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها } . وأيضا : فالنبي صلى الله عليه وسلم شبهها بالبهيمة المجتمعة الخلق وشبه ما يطرأ عليها من الكفر بجدع الأنف ومعلوم أن كمالها محمود ونقصها مذموم فكيف تكون قبل النقص لا محمودة ولا مذمومة ؟ والله أعلم .