[ ص: 7 ] المسئول من السادة العلماء القادة الفضلاء أئمة الدين - رضي الله عنهم أجمعين - أن يخبرونا بفضائل الرمي وتعليمه ; وما ورد فيمن تركه بعد تعلمه ; وأيما أفضل الرمي بالقوس أو الطعن بالرمح ؟ أو الضرب بالسيف ؟ وهل لكل واحد منهم علم يختص به ومحل يليق به ؟ .
وإذا علم رجل رجلا الرمي أو الطعن وغيرهما من آلات الحرب والجهاد في سبيل الله تعالى وجحد تعليمه ; وانتقل إلى غيره وانتمى إليه : هل يأثم بذلك أم لا ؟ وإذا قال قائل لهذا المنتقل : أنت مهدور أو تقتل : أثم بذلك أم لا ؟ وإن زاد فقال له : أنت لقيط أو ولد زنا : يعد قذفا ويحد بذلك أم لا ؟ .
وهل يحل للأستاذ الثاني أن يقبل هذا المنتقل ويعزره على جحده لمعلمه ؟ وإذا قال المنتقل : أنا أنتمي إلى فلان تعليما وتخريجا وإلى فلان إفادة وتفهيما : هل يسوغ له ذلك أم لا ؟ وهل للمبتدئ أن [ ص: 8 ] يقوم في وسط جماعة من الأستاذين والمتعلمين ويقول : يا جماعة الخير أسأل الله تعالى وأسألكم أن تسألوا فلانا أن يقبلني أن أكون له أخا أو رفيقا أو غلاما أو تلميذا أو ما أشبه ذلك ; فيقوم أحد الجماعة فيأخذ عليه العهد ويشترط عليه ما يريده ويشد وسطه بمنديل أو غيره : فهل يسوغ هذا الفعل أم لا ؟ لما يترتب عليه من المحاماة والعصبية لأستاذ ; بحيث يصير لكل من الأستاذين إخوان ورفقاء وأحزاب وتلامذة يقومون معه إذا قام بحق أو باطل ويعادون من عاداه ويوالون من والاه .
وهل إذا اجتمعوا للرمي على رهن هل يحل أم لا ؟ وهل يقدح في عدالة الأستاذ إذا فعل التلامذة ما لا يحل في الدين ويقرهم على ذلك ؟ وهل إذا شد المعلم للتلميذ وحصل بذلك هبة وكرامة - وجميع ذلك في العرف يرجع إلى الأستاذ - يحل له تناوله أم لا ؟ وهل للأستاذ أن يقبل أجرة أو هبة أو هدية ؟ فإن المعلم تلحقه كلفة من آلات وغيرها .
وهذه الأعمال كل منها له محل يليق به هو أفضل فيه من غيره فالسيف عند مواصلة العدو والطعن عند مقاربته والرمي عند بعده أو عند الحائل كالنهر والحصن ونحو ذلك . فكلما كان أنكى في العدو وأنفع للمسلمين فهو أفضل . وهذا يختلف باختلاف أحوال العدو وباختلاف حال المجاهدين في العدو . ومنه ما يكون الرمي فيه أنفع ومنه ما يكون الطعن فيه أنفع . وهذا مما يعلمه المقاتلون .
[ ص: 13 ] فصل وتعلم هذه الصناعات هو من الأعمال الصالحة لمن يبتغي بذلك وجه الله عز وجل فمن علم غيره ذلك كان شريكه في كل جهاد يجاهد به لا ينقص أحدهما من الأجر شيئا كالذي يقرأ القرآن ويعلم العلم . وعلى المتعلم أن يحسن نيته في ذلك ويقصد به وجه الله تعالى وعلى المعلم أن ينصح للمتعلم ويجتهد في تعليمه وعلى المتعلم أن يعرف حرمة أستاذه ويشكر إحسانه إليه ; فإنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله ولا يجحد حقه ولا ينكر معروفه .
وإذا جنى شخص فلا يجوز أن يعاقب بغير العقوبة الشرعية وليس لأحد من المتعلمين والأستاذين أن يعاقبه بما يشاء وليس لأحد أن يعاونه ولا يوافقه على ذلك مثل أن يأمر بهجر شخص فيهجره بغير ذنب شرعي أو يقول : أقعدته أو أهدرته أو نحو ذلك فإن هذا من جنس ما يفعله القساقسة والرهبان مع النصارى والحزابون مع اليهود ومن جنس ما يفعله أئمة الضلالة والغواية مع أتباعهم . وقد قال الصديق الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته : أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=600220لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق } . وقال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=600221من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه } .
ومن مال مع صاحبه - سواء كان الحق له أو عليه - فقد حكم بحكم الجاهلية وخرج عن حكم الله ورسوله والواجب على جميعهم أن يكونوا يدا واحدة مع المحق على المبطل فيكون المعظم عندهم من عظمه الله ورسوله والمقدم عندهم من قدمه الله ورسوله والمحبوب عندهم من أحبه الله ورسوله والمهان عندهم من أهانه الله ورسوله بحسب ما يرضي الله ورسوله لا بحسب الأهواء ; فإنه من يطع الله ورسوله فقد رشد ; ومن يعص الله ورسوله فإنه لا يضر إلا نفسه .
ولا يشد وسطه لا لمعلمه ولا لغير معلمه ; فإن شد الوسط لشخص [ ص: 18 ] معين وانتسابه إليه - كما ذكر في السؤال - : من بدع الجاهلية ; ومن جنس التحالف الذي كان المشركون يفعلونه ; ومن جنس تفرق قيس ويمن فإن كان المقصود بهذا الشد والانتماء التعاون على البر والتقوى فهذا قد أمر الله به ورسوله له ولغيره بدون هذا الشد وإن كان المقصود به التعاون على الإثم والعدوان فهذا قد حرمه الله ورسوله . فما قصد بهذا من خير ففي أمر الله ورسوله بكل معروف استغناء عن أمر المعلمين وما قصد بهذا من شر فقد حرمه الله ورسوله .
فليس لمعلم أن يحالف تلامذته على هذا ولا لغير المعلم أن يأخذ أحدا من تلامذته لينسبوا إليه على الوجه البدعي : لا ابتداء ولا إفادة وليس له أن يجحد حق الأول عليه وليس للأول أن يمنع أحدا من إفادة التعلم من غيره وليس للثاني أن يقول : شد لي وانتسب لي دون معلمك الأول بل إن تعلم من اثنين فإنه يراعي حق كل منهما ولا يتعصب لا للأول ولا للثاني وإذا كان تعليم الأول له أكثر كانت رعايته لحقه أكثر .
وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله وتعاونوا على البر والتقوى لم يكن أحد مع أحد في كل شيء ; بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن [ ص: 19 ] المنكر ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله ; ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية ولا اتباع الهوى بدون هدى من الله ولا تفرق ولا اختلاف ; ولا شد وسط لشخص ليتابعه في كل شيء ولا يحالفه على غير ما أمر الله به ورسوله .
وحينئذ فلا ينتقل أحد عن أحد إلى أحد ; ولا ينتمي أحد : لا لقيطا ولا ثقيلا ولا غير ذلك من أسماء الجاهلية ; فإن هذه الأمور إنما ولدها كون الأستاذ يريد أن يوافقه تلميذه على ما يريد فيوالي من يواليه ويعادي من يعاديه مطلقا . وهذا حرام ; ليس لأحد أن يأمر به أحدا ; ولا يجيب عليه أحدا ; بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة ; يجمعهم فعل ما أمر الله به ورسوله وتفرق بينهم معصية الله ورسوله حتى يصير الناس أهل طاعة الله أو أهل معصية الله فلا تكون العبادة إلا لله عز وجل ولا الطاعة المطلقة إلا له سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ومن حالف شخصا على أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان ومثل هذا ليس من المجاهدين في سبيل الله تعالى ولا من جند المسلمين ولا يجوز أن [ ص: 21 ] يكون مثل هؤلاء من عسكر المسلمين ; بل هؤلاء من عسكر الشيطان ولكن يحسن أن يقول لتلميذه : عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله وتعاون على البر والتقوى ولا تعاون على الإثم والعدوان وإذا كان الحق معي نصرت الحق وإن كنت على الباطل لم تنصر الباطل . فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا .
فإذا أخرج ولي الأمر مالا من بيت المال للمسابقين بالنشاب والخيل والإبل كان ذلك جائزا باتفاق الأئمة . ولو تبرع رجل مسلم ببذل الجعل في ذلك كان مأجورا على ذلك كذلك ما يعطيه الرجل لمن يعلمه ذلك هو ممن يثاب عليه وهذا لأن هذه الأعمال منفعتها عامة للمسلمين فيجوز بذل العوض من آحاد المسلمين فكان جائزا وإن أخرجا جميعا العوض وكان معهما آخر محللا يكافيها كان ذلك جائزا وإن لم يكن بينهما محلل فبذل أحدهما شيئا طابت به نفسه من غير إلزام له أطعم به الجماعة أو أعطاه للمعلم أو أعطاه لرفيقه : كان ذلك جائزا .
[ ص: 23 ] وأصل هذا أن يعلم أن هذه الأعمال عون على الجهاد في سبيل الله والجهاد في سبيل الله مقصوده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا .
وجماع الدين شيئان : أحدهما : أن لا نعبد إلا الله تعالى . والثاني : أن نعبده بما شرع ; لا نعبده بالبدع كما قال تعالى : { ليبلوكم أيكم أحسن عملا } قال nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض : أخلصه وأصوبه . قيل له : ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ; وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا والخالص : أن يكون لله . والصواب : أن يكون على السنة .
وكان nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يقول في دعائه : اللهم اجعل عملي كله صالحا ; واجعله لوجهك خالصا ; ولا تجعل لأحد فيه شيئا .
فالحلال ما حلله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه فليس لأحد من المشايخ والملوك والعلماء والأمراء والمعلمين وسائر الخلق خروج عن ذلك بل على جميع الخلق أن يدينوا بدين الإسلام الذي بعث الله به رسله ; ويدخلوا به كلهم في دين خاتم الرسل وسيد ولد آدم وإمام المتقين خير الخلق وأكرمهم على الله محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما وكل من أمر بأمر كائنا من كان عرض على [ ص: 25 ] الكتاب والسنة ; فإن وافق ذلك قبل وإلا رد ; كما جاء في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=600224من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد } أي : فهو مردود .