ولهذا ذهب الإمام أحمد رضي الله عنه في المشهور عنه : إلى أن الطفل متى مات أحد أبويه الكافرين حكم بإسلامه ; لزوال الموجب للتغيير عن أصل الفطرة . وقد روي عنه ; وعن ابن المبارك وعنهما : أنهم قالوا " يولد على ما فطر عليه من شقاوة وسعادة " وهذا القول لا ينافي الأول فإن الطفل يولد سليما وقد علم الله أنه سيكفر فلا بد أن يصير إلى ما سبق له في أم الكتاب كما تولد البهيمة جمعاء وقد علم الله أنها ستجدع .
وهذا أجود ما قيل في أطفال المشركين وعليه تتنزل جميع الأحاديث . ومثل الفطرة مع الحق : مثل ضوء العين مع الشمس وكل ذي عين لو ترك بغير حجاب لرأى الشمس والاعتقادات الباطلة العارضة من تهود وتنصر وتمجس : مثل حجاب يحول بين البصر ورؤية الشمس .
وكذلك أيضا كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في الطبيعة فساد يحرفه حتى يجعل الحلو في فمه مرا . ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام بالفعل فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئا ولكن سلامة القلب وقبوله وإرادته للحق : الذي هو الإسلام بحيث لو ترك من غير مغير لما كان إلا مسلما . وهذه القوة العلمية العملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ما لم يمنعها مانع : هي فطرة الله التي فطر الناس عليها .