[ ص: 107 ] فصل "
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية ; فإن الله يزع بالسلطان . ما لا يزع بالقرآن .
وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور ; وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات . فمنها عقوبات مقدرة ; مثل جلد المفتري ثمانين وقطع السارق . ومنها عقوبات غير مقدرة قد تسمى " التعزير " . وتختلف مقاديرها وصفاتها بحسب كبر الذنوب وصغرها ; وبحسب حال المذنب ; وبحسب حال الذنب في قلته وكثرته .
" والتعزير " أجناس . فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام . ومنه ما يكون بالحبس . ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن . ومنه ما يكون بالضرب . فإن كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة أو ترك أداء الحقوق الواجبة : مثل ترك وفاء الدين مع القدرة عليه ; أو على ترك رد المغصوب ; أو أداء الأمانة إلى أهلها : فإنه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي الواجب ويفرق الضرب عليه يوما بعد يوم . وإن كان الضرب على ذنب ماض جزاء بما كسب ونكالا من الله له ولغيره : فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط وليس لأقله حد .
[ ص: 108 ] وأما
أكثر التعزير ففيه ثلاثة أقوال في مذهب
أحمد وغيره أحدها : عشر جلدات .
والثاني : دون أقل الحدود ; إما تسعة وثلاثون سوطا ; وإما تسعة وسبعون سوطا . وهذا قول كثير من أصحاب
أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
والثالث . أنه لا يتقدر بذلك . وهو قول أصحاب
مالك وطائفة من أصحاب
الشافعي وأحمد وهو إحدى الروايتين عنه ; لكن إن كان التعزير فيما فيه مقدر لم يبلغ به ذلك المقدر مثل التعزير : على سرقة دون النصاب لا يبلغ به القطع والتعزير على المضمضة بالخمر لا يبلغ به حد الشرب والتعزير على القذف بغير الزنا لا يبلغ به الحد .
وهذا القول أعدل الأقوال ; عليه دلت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين ; فقد {
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الذي أحلت له امرأته جاريتها مائة ودرأ عنه الحد بالشبهة } . وأمر
أبو بكر وعمر بضرب رجل وامرأة وجدا في لحاف واحد مائة مائة . وأمر بضرب الذي نقش على خاتمه وأخذ من بيت المال مائة . ثم ضربه في اليوم الثاني مائة ثم ضربه في اليوم الثالث مائة . وضرب
صبيغ بن عسل - لما رأى من بدعته - ضربا كثيرا لم يعده .
ومن لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل مثل المفرق
[ ص: 109 ] لجماعة المسلمين والداعي إلى البدع في الدين قال تعالى : {
من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=9732إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما } وقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=600266من جاءكم وأمركم على رجل وأحد يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان } . {
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل رجل تعمد عليه الكذب } {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37360وسأله ابن الديلمي عمن لم ينته عن شرب الخمر ؟ فقال : من لم ينته عنها فاقتلوه .
} فلهذا ذهب
مالك وطائفة من أصحاب
أحمد إلى جواز قتل الجاسوس . وذهب
مالك ومن وافقه من أصحاب
الشافعي إلى قتل الداعية إلى البدع . وليست هذه القاعدة المختصرة موضع ذلك . فإن المحتسب ليس له القتل والقطع .
ومن أنواع التعزير : النفي والتغريب ; كما كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب يعزر بالنفي في شرب الخمر إلى
خيبر ; وكما نفى
صبيغ بن عسل إلى
البصرة وأخرج
نصر بن حجاج إلى
البصرة لما افتتن به النساء .