ومن جنس موالاة الكفار التي ذم الله بها أهل الكتاب والمنافقين : الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر أو التحاكم إليهم دون كتاب الله كما قال تعالى : {
ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } وقد عرف أن سبب نزولها شأن
كعب بن الأشرف - أحد رؤساء
اليهود - لما ذهب إلى
المشركين ورجح دينهم على دين
محمد وأصحابه . والقصة قد ذكرناها في " الصارم المسلول " لما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم " من
لكعب بن الأشرف ؟ فإنه قد آذى الله ورسوله " .
ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض
أهل الكتاب : {
ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون } {
واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان } الآية . فأخبر أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من
اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام من اتباعهم كتب السحرة - أعداء
إبراهيم وموسى - من المتفلسفة ونحوهم
[ ص: 200 ] وهو كإيمانهم بالجبت والطاغوت ; فإن الطاغوت هو الطاغي من الأعيان والجبت : هو من الأعمال والأقوال كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : الجبت السحر والطاغوت الشيطان . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11158العيافة والطيرة والطرق : من الجبت } رواه
أبو داود .
وكذلك ما أخبر عن
أهل الكتاب بقوله : {
قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت } أي : ومن عبد الطاغوت فإن
أهل الكتاب كان منهم من أشرك وعبد الطواغيت .
فهنا ذكر عبادتهم للطاغوت وفي " البقرة " ذكر اتباعهم للسحر وذكر في " النساء " إيمانهم بهما جميعا : بالجبت والطاغوت .
وأما
التحاكم إلى غير كتاب الله فقد قال : {
ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا } {
وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا } .
والطاغوت فعلوت من الطغيان . كما أن الملكوت فعلوت من الملك . والرحموت والرهبوت والرغبوت . فعلوت من الرحمة
[ ص: 201 ] والرهبة والرغبة . والطغيان : مجاوزة الحد ; وهو الظلم والبغي . فالمعبود من دون الله إذا لم يكن كارها لذلك : طاغوت ; ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام طواغيت في الحديث الصحيح لما قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=69523ويتبع من يعبد الطواغيت الطواغيت } . والمطاع في معصية الله والمطاع في اتباع غير الهدى ودين الحق - سواء كان مقبولا خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله - هو طاغوت ; ولهذا سمي من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله طاغوت وسمى الله
فرعون [ وعادا طغاة ] وقال في صيحة
ثمود : {
فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } .
فمن كان من هذه الأمة مواليا للكفار : من
المشركين أو
أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة ونحوها : مثل إتيانه [ أهل ] الباطل واتباعهم في شيء من مقالهم وفعالهم الباطل : كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك ; وذلك مثل متابعتهم في آرائهم وأعمالهم ; كنحو أقوال
الصابئة وأفعالهم من
الفلاسفة ونحوهم المخالفة للكتاب والسنة ; ونحو أقوال
اليهود والنصارى وأفعالهم المخالفة للكتاب والسنة ; ونحو أقوال
المجوس والمشركين وأفعالهم المخالفة للكتاب والسنة .
ومن تولى أمواتهم أو أحياءهم بالمحبة والتعظيم والموافقة فهو منهم ; كالذين وافقوا أعداء
إبراهيم الخليل : من
الكلدانيين وغيرهم
[ ص: 202 ] من
المشركين عباد الكواكب أهل السحر ; والذين وافقوا أعداء
موسى من
فرعون وقومه بالسحر . أو ادعى أنه ليس ثم صانع غير الصنعة ولا خالق غير المخلوق ولا فوق السماوات إله كما يقوله
الاتحادية وغيرهم من
الجهمية . والذين وافقوا
الصائبة والفلاسفة فيما كانوا يقولونه في الخالق ورسله : في أسمائه وصفاته والمعاد وغير ذلك .
ولا ريب أن هذه الطوائف : وإن كان كفرها ظاهرا فإن كثيرا من الداخلين في الإسلام . حتى من المشهورين بالعلم والعبادة والإمارة قد دخل في كثير من كفرهم وعظمهم ويرى تحكيم ما قرروه من القواعد ونحو ذلك . وهؤلاء كثروا في المستأخرين ولبسوا الحق - الذي جاءت به الرسل - بالباطل الذي كان عليه أعداؤهم .
والله تعالى : يحب تمييز الخبيث من الطيب والحق من الباطل . فيعرف أن هؤلاء الأصناف : منافقون أو فيهم نفاق ; وإن كانوا مع المسلمين ; فإن كون الرجل مسلما في الظاهر لا يمنع أن يكون منافقا في الباطن ; فإن المنافقين كلهم مسلمون في الظاهر والقرآن قد بين صفاتهم وأحكامهم . وإذا كانوا موجودين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عزة الإسلام مع ظهور أعلام النبوة ونور الرسالة : فهم مع بعدهم عنهما أشد وجودا لا سيما وسبب النفاق هو سبب الكفر وهو المعارض لما جاءت به الرسل .